تقارير

بعد المكاشفة التي قام بها وزير المالية السعودي… الاقتصاد السعودي إلى أين؟

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

في محاولة من وزير المالية السعودي محمد الجدعان، لتهيئة الرأي العام في المملكة السعودية، لما هو قادم من فترةِ عسرٍ اقتصادي ستمر به المملكة، خرج الجدعان على شاشة قناة “العربية”، ليسرد قصة الانحدار الاقتصادي السعودي القادم، وما ستجره هذه الازمة الاقتصادية على شعب المملكة من ويلات، لينادي بهم، عليكم شد الاحزمة. لكنه نسي أو تناسى أن يُوصي مولاه محمد بن سلمان، كيف يكفَّ يدهِ عن الانفاق، وهدر الأموال يمينًا وشمالًا، لينقذ اقتصاد البلد من المحنة التي يعيشها، والتي ستحول المملكة من بلدٍ غني، إلى بلدٍ يعيش على الاقتراض من دول العالم والمؤسسات المالية الدولية، وبمقابل ذلك، أحال الوزير السعودي الوضع المأساوي الذي تعيشه المملكة، إلى انتشار جائحة كورونا في العالم، وجعلها هي السبب الأساسي في الوضع الذي آلت إليه المملكة.

ماذا تضمن حديث وزير المالية الجدعان؟

ومن  أبرز ما جاء بحديث “الجدعان” حول حالة الاقتصاد السعودي، وما ينتظر المملكة في السنوات القادمة، إن على السعودية خفض مصروفات ميزانيتها بشدة، نظرا لانخفاض إيراداتها النفطية ‏لأقل من النصف، وقال الجدعان، إنه سيتم اقتراض 220 مليار ريال (58.7 مليار دولار) ‏بزيادة 100 مليار ريال (26.7 مليار دولار) عما كان مخططا له قبل “كورونا”، بالطبع، إلى جانب السحب ‏من الاحتياطيات السيادية‎.‎‏ وحاول تبرير هذه الإجراءات على إنها نتيجة طبيعية بسبب تأثيرات تفشي وباء كورونا، وأن معظم الدول تمر بما تمر به السعودية، وقال، “لا السعودية ولا العالم سيعودان كما كانا قبل كورونا، لأن الأزمة، لا مثيل لها منذ الحرب ‏العالمية الثانية”. ولمَّح الجدعان، إلى أن “المملكة ستتخذ إجراءات ‏‏مؤلمة لمواجهة آثار ‏تفشي فيروس كورونا‏‎، وإن عليها خفض إنفاقها في ‏ميزانيتها بصورة ‏حادة، وتتخذ إجراءات صارمة جدا وقد ‏تكون مؤلمة”، كما وستؤدي تلك الإجراءات، إلى أن بعض المشاريع سُيمدد أجل تنفيذها -بمعنى إنها ستتوقف- ‏ ومن هذا نجد أن التشكيك الذي أبداه كثير من المراقبين حول مدى أمكانية تنفيذ المشاريع العملاقة التي طرحها بن سلمان للتسويق لنفسه، له ما يؤيدها من تصريحات وزير المالية محمد الجدعان الأخيرة، وأن حقيقة هذه المشاريع، مثل مشروع نيوم ورؤية 2030، ما هي إلا فقاعات إعلامية غير قابلة للتحقيق. يذكر أن الحكومة السعودية قد خفضت ميزانيتها بواقع 50 مليار ريال (13.3 مليار دولار) ‏عقب كورونا، وفق تصريحات سابقة للوزير ذاته، لكنه قال في مقابلته الجديدة مع “قناة ‏العربية”، إن هذا “التخفيض غير كاف”.‏

تأثير تصريحات الجدعان على مكانة السعودية الاقتصادية

وفي اليوم التالي لتصريحات الجدعان التي قال فيها إن المملكة ‏ستتخذ إجراءات صارمة ‏ومؤلمة للتعامل مع آثار فيروس كورونا، اضطربت الأسواق السعودية كثيرًا، حيث استهلت الأسهم السعودية، تعاملاتها صباح اليوم التالي، على تراجع جماعي ‏للأسهم، قرب 6%. من ناحيتها، قالت شركة “جدوى للاستثمار” السعودية، إنها تتوقع أن ‏تقوم المملكة ‏‏بتسجيل عجز قياسي في الميزانية لعام ‏‏2020 تبلغ قيمته 112 مليار دولار‎.‎‏ ‏فيما توقع ‏‏صندوق النقد الدولي أن ينكمش اقتصاد المملكة بنسبة 2,3 ‏في المئة‎.‎‏ بالمقابل، ‏قالت ‏‏‏”كابيتال ايكونوميكس” للأبحاث، إن الانكماش سيكون بنسبة 5 بالمئة على الأقل‎.‎‏ ‏ومن ‏‏الجدير بالذكر، إن تأثير تلك التصريحات، امتد إلى أسواق الخليج ايضًا، فقد تراجع سوق دبي المالي ‏‏‏بنسبة 3,2%، وتراجع سوق أبو ظبي 1,6%. وتراجع ‏مؤشر بورصة قطر 0,6 بالمئة، أما ‏‏‏في الكويت، فتراجع مؤشر السوق الأول 1,0 بالمئة وتراجع مؤشر السوق العام ‏‏0,8%‏‎.‎

من جانب أخر، عدَّلت وكالة “موديز” للتصنيفات الائتمانية، نظرتها المستقبلية لتصنيف ‏السعودية من ‏‏”مستقرة” إلى “سلبية”. في أول تغيير لآفاق التصنيف الائتماني للسعودية ‏منذ أربع سنوات، لكنها أبقت على تصنيفها عند الدرجة ‏‏”أي واحد‏‎” (A1)‎، وأوضحت ‏الوكالة في بيان لها، أن انهيار أسعار النفط بسبب جائحة ‏كورونا، زاد المخاطر المالية على ‏السعودية، وسيؤدي إلى تآكل احتياطاتها المالية السيادية، الأمر الذي سيزيد ديون المملكة ‏السعودية إلى نحو ‏45% من إجمالي الناتج المحلي على المدى المتوسط‏‎.‎

اصداء تصريحات وزير المالية السعودي في مواقع التواصل الاجتماعي

أثارت تصريحات وزير المالية السعودي محمد الجدعان تلك، جدلا واسعا لدى رواد منصات التواصل، بعد إعلانه خطة التقشف، وتراجع أسعار النفط. وحمَّل بعض الناشطين، اسباب التردي الاقتصادي السعودي، ليس على انتشار الوباء العالمي، إنما بسبب التبذير والإسراف الذي انتهجه بن سلمان وخططه في تغريب المملكة، من مشاريع ترفيه تتعارض مع قيم الشعب السعودي، إلى البذخ في إعطاء الهدايا والعطايا للفنانين، والانفاق الشخصي غير المبرر لابن سلمان.

وفي هذا الشأن، قال الباحث والأكاديمي سعيد الغامدي: “شراء الأندية الرياضية من هواياته ‏الاستثمارية العجيبة! والتي نجح فيها محمد سلمان لبعثرة ثروات المملكة، فعندما فشل في ‏شراء نادي مانشستر يونايتد عام 2015، حتى بعد أن عرض فيه مبلغ 3.8 مليار دولار، ‏ذهب لإبرام صفقة أخرى لشراء الفريق الإنكليزي نيوكاسل، وبمبلغ 340 مليون جنيه ‏إسترليني.‏

أما حساب “على وين؟” فقد كتب في تغريدته عن الأسباب التي أدت للانهيار الحاصل بالاقتصادي السعودي: “قلتُ سابقاً أن سنة 2020 هي سنة ضرائب ‏بامتياز..‏ وجائحة كورونا هي القشة التي قصمت ظهر البعير.. لكنها ليست سبباً رئيساً للتقشف، ‏فقد سبقتها سنوات من اللعب بالأموال وتبذيرها..‏”

وقام حساب “مفتاح” بالتغريد فقال: “هدر “مبس” أموال الشعب ولا يزال مستمراً بذلك، ‏وقد اعترف وزير المالية أخيراً بوجود “كارثة وعجز مالي” في البلد. الحل الآن هو أن يقوم ‏محمد بن سلمان فوراً ببيع يخته ولوحة دافنشي الموجودة فيه، لإعادة جزء من الحق ‏لإصحابه فثمن اليخت ولوحة دافنشي لوحدهما يتجاوز المليار دولار!‏”

حساب “محبس الجن” غرد ساخرًا برسم كاريكاتوري من موقف بن سلمان من ‏تصريحات المالية فقال: “موقف ابن سلمان من تصريحات وزير المالية بشأن إجراءات ‏التقشف”‏

بالمقابل فأن الذباب الالكتروني، قام هو الأخر، بدوره في تضليل الرأي العام السعودي، ونزل بكل قوته ليزيّن كلام الوزير، ويعطيه طابعًا من الشفافية التي تتصف به الأنظمة الديمقراطية التي تصارح شعبها بكل ما يجري في البلاد. وهي عملية ذر الرماد في العيون، فلو كان الامر كذلك، لأعطى بن سلمان، للشعب السعودي الحرية السياسية التي تمكنهم من محاسبة أمرائهِ على اسرافهم. وفي هذا الشأن، كتب عبد الرحمن اللاحم تعليقًا على تصريحات وزير المالي فقال، “حديث معالي وزير المالية كان صريحاً وشفافاً، لأنه يتحدث بلسان حكومة مسؤولة، تمتلك الشجاعة أن تواجه الأزمة بإجراءات احترافية ومهنية”. وتابع: نحن في سفينة تمخر عباب أمواج عاتية، كلنا ثقة بربانها، ودورنا أن نكون سنداً له، وأن نتصدى لمن ينشر الهلع والتشاؤم واليأس، سنخرج منها أقوياء.

وقام حساب أخر باسم “تداول مع خالد” بتحميل وزير المالية مسؤولية انهيار الأسواق بسبب تصريحاته غير المطمئنة للأسواق، وأن موضوع الشفافية غير مسموح به في هذه الحالات: “لنكون واضحين وصريحين في شيء واحد على الأقل ان الانهيار الذي حدث اليوم في #سوق_الاسهم_السعودي #تاسي ليس #فيروس_كورونا لان السوق كان قد امتص عوارض الفيروس ولكن الانهيار حدث بسبب تصريح معالي #وزير_المالية لمحطة #العربية ،لا تقول لي شفافية ولا غيره الان وظيفة معاليه إرجاع الثقة للسوق

بل طلب من ولي العهد بن سلمان إقالة الوزير من منصبه، قائلًا: “حسب رأيي وهذا رأيي وأنت حر في رأيك معالي #وزير_المالية #الجدعان ليس له خبرة اقتصادية وكيفية مواجهة الأزمات أتمنى على #ولي_العهد_الأمير_محمد_بن_سلمان حفظه الله اقالته وإحضار شخص يجيد ادارة الأزمات المالية #يجب_اقالة_وزير_المالية”

أين ذهبت أموال المملكة؟

بعد هذه الصدمة التي تلقاها شعب المملكة من تصريحات وزير المالية محمد الجدعان، يُحق لهم أن يتساءلوا، إين ذهبت أموال المملكة؟ ولماذا على المواطن أن يتحمل ضريبة المغامرات التي قام بها بن  سلمان، سواءً على صعيد مغامراته العسكرية في اليمن، أو دعمه للثورة المضادة في دول الربيع العربي، أو الانفاق الجنوني على هواياته الغربية، ناهيك عن مشاريعه العملاقة الفاشلة؟

‎ ‎تلك الوعود التي تعهد بها بن سلمان، تم إفراغها من محتوها على يد “الجدعان” بتصريحاته الأخيرة، حينما اختصر الوضع، بأن حكومته قررت الاستدانة بشكل أكبر من الأسواق ‏العالمية. ومن الجدير بالذكر، إن الجدعان، كان من ضمن الذين ساهموا بحملة تضليل السعوديين، فهو نفسه الذي أعلن أن المملكة سوف تنتقل خلال عام 2019 إلى مرحلة التنفيذ وتحقيق رؤية 2030، لكن عام ‏‏2019 شهد تراجعاً اقتصادياً غير مسبوق‎.‎‎ أربعة سنوات على تولي محمد بن سلمان للسلطة الحقيقية في البلاد، كانت كافية لتحويل المملكة من بلد غني، إلى بلدٍ يعتمد على الاقتراض لتمويل ميزانيته العامة. هذه الحالة، هي نتيجة مباشرة لانفاق ‏المليارات على ترامب، لجلب الأمن المزعوم من واشنطن، والمليارات التي انفقت على هوايات بن سلمان، ومشاريع الترفيه الذي انفقت عليها المليارات، كان بالإمكان انفاقها على المواطنين وتعزيز الاقتصاد السعودي.

أخبار سيئة للثورة المضادة

وحين نسمع تصريحات الوزير السعودي، وهو يعرض حال المملكة الاقتصادي وحجم الكارثة المنتظر وقوعها بهذا البلد، يدفعنا للتساؤل، ما هو حال الأنظمة والمنظمات التي تدعمها السعودية والامارات في دول الربيع العربي، مثل عبد الفتاح السيسي في مصر، وحفتر وميليشياته في ليبيا، والمجلس الإنتقالي وبقية المليشيات الموالية للإمارات في اليمن، بالإضافة إلى أكراد سوريا، وحزب العمال الكردستاني في تركيا، وغيرها الكثير من المليشيات الإرهابية. يبدوا واضحًا أنها ستصاب بخيبة أمل كبيرة حينما ينقطع التمويل عنها، ويبدوا إن ملامح ذلك التحول، بدأ بالتشكل حقيقةً فيما نراه في ليبيا، وسوف لن يتوقف في سوريا أو اليمن. الازمة المالية للسعودية والامارات، ربما ستشكل تحولًا استراتيجيًا في ميزان القوى في المنطقة في المستقبل القريب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق