تقارير

الماكنة الإعلامية السعودية في عهد بن سلمان… إلى ماذا تهدف؟

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

يستمر الاعلام السعودي، بثوبه الجديد الذي ألبسه إياه ولي العهد محمد بن سلمان، في الترويج لرؤيته الجديدة تجاه العديد من القضايا، منها ما هو على الصعيد الداخلي، ومنها على الصعيد الإقليمي، وواحدة من أخطر القضايا، التي يريد أن يضع بن سلمان بصمته فيها، هو موضوع الصراع العربي الإسلامي مع الصهاينة، ففي الوقت الذي تعتبر الشعوب العربية والإسلامية جميعًا أن العدو الأول لها، هو الكيان الصهيوني، بسبب اغتصابه لأرض عربية، تضم مقدسات إسلامية، يحاول بن سلمان تغير هذه النظرة إلى نقيضها، وإعادة تشكيل العقل العربي إلى حالة من التماهي مع ما يفعله الصهاينة بفلسطين وأهلها، والنظر إليهم كشعب مسالم قد وقع ضحيةً لسيل من الكراهية العربية ومن دون سبب! ولأجل هذا الهدف يستخدم بن سلمان شتى السبل للتأثير على المواطن داخل المملكة والمواطن الخليجي والعربي، عبر آلة إعلام ضخمة يمتلكها هو وحليفه بن زايد.

وبعد أن انتهى من تحييد كثير من خصومه الداخلين، من مثل هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي شن عليها حملة إعلامية كبيرة انتهت بتقزيم هذه الهيئة، ثم تصفية الرموز الإسلامية من علماء مسلمين داخل المملكة بتهمة الانتماء لجماعة الاخوان المسلمين، أو التعاطف معها، واستبدالهم برجال من وعاظ السلاطين، ومدارس فكرية مشبوهة تمشي بما يريده السلطان، مثل الجامية وغيرها، بالإضافة إلى بعض الطرق الصوفية التي يستثمر فيها حليفه الإماراتي.

يأتي اليوم إلى القضية الإقليمية الأشد حساسية للمجتمع العربي والإسلامي وهي القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسلامي مع الصهاينة. ففي هذا السياق، ظهرت في شهر رمضان الفضيل العديد من المسلسلات المدعومة من قبل بن سلمان والتي تصب في الترويج لموضوع التطبيع مع الصهاينة كان من أكثرها تطرفًا لمشاعر العرب المسلمين، هي مسلسل “أم هارون ” ومسلسل “مخرج 7” وهما مسلسلان يدعوان في ثناياه وبعبارات واضحة للتطبيع وتقبل فكرة مد الجسور مع الصهاينة، على اعتبارهم جيرانا لهم حق في أرض المسلمين، وشعبا لم يعتدي على العرب، إنما الفلسطينيون هم المعتدون، وهم من باعوا أرضهم لليهود الصهاينة، وبالتالي فليس من حقهم النضال ضدهم، بل وصل الأمر إلى وصف نضالهم بالإرهاب.

مسلسل “أم هارون” الذي هو من انتاج شبكة MBC الإعلامية السعودية، وبكادر تمثيلي كويتي وأخرين خليجيين، تم تصويره في الامارات، يحاول من يقف خلف انتاج هذا المسلسل، أن يجعل المشاهد العربي متعاطفًا مع الجالية اليهودية التي كانت تسكن في الخليج، على اعتبارها كانت تتعرض للمظالم والتمييز من قبل المجتمع العربي المسلم، الذين طردوهم من وطنهم بعد ذلك حسب الرواية الصهيونية. ويتخلل المسلسل تشويهات تاريخية وتزيف يتم تسويقه للمشاهد العربي لدعم وجهة النظر الإسرائيلية، منها، المغالطة التاريخية التي أرودها المسلسل، حينما ذكر إن الانتداب البريطاني قام بصنع دولة “إسرائيل” على أرض إسرائيل وليس على ارض فلسطين، وهي مغالطة كبيرة، حيث لم يكن هناك أرض تسمى إسرائيل قبل تأسيس دولة الكيان الصهيوني.

لاقى المسلسل “أم هارون” استهجانا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي قبل بداية عرضه وأثناء عرضه، وسط اتهاماتٍ للمسلسل بترويج التطبيع مع الكيان الصهيوني، والترويج لفكرة التسليم للصهاينة والاستسلام لمخططاتهم التوسعية القادمة لا محالة !، وقد ‏استخدمت في المسلسل نصوص مكتوبة باللغة العبرية بداعي كتابة أم هارون لمذكراتها في ‏المنطقة مستخدمة لغتها اليهودية.‏

وفي هذا الشأن، رأى الناشط يحيى حديد، أن دول الخليج وبعد فشلها بالارتهان لأميركا، تحاول أن ترتهن ‏اليوم للصهاينة، فقال: “الغريق يتعلق بشعرة هذا ما ينطبق على دول الخليج التي غرقت في ‏بحر ترامب والآن تتمسك بشعرة الصهيونية، التطبيع بمختلف أشكاله رمال متحركة يغرق ‏من يسير فيها. بينما رحب الكيان الصهيوني بالمسلسل بشدة ودافع عنه، على لسان المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي حينما قال: إن المسلسل كان يواجه اتهامات من قبل منظري المؤامرة الذين يفضلون البرامج ‏التلفزيونية العنصرية التي تروج للأكاذيب المعادية للسامية، والذين يتطلعون إلى كلمة ‏‏”التطبيع” “إهانة”‏.

لكنه عاد وغرد بقوة وتعالي على العرب والمسلمين قائلًا: “الخلاصة التي نخرج منها بعد ‏كل الردود الكارهة لليهود أثناء بث مسلسل أم هارون هي أننا اليوم لسنا شعبا مغلوبا على ‏أمره يستغيث بالآخرين، وإنما دولة عاقدة العزم على النضال من أجل سلامة وأمن ‏مواطنيها، إسرائيل هي الضامن الوحيد ولا يستطيع مطلقو هذه الشعارات تحقيق ‏أحلامهم.. أبدا”.‏

أما الكاتب أحمد دراوشة، فقد أبدى تحفظه على ‏المسلسل المدعوم إماراتيًا قائدة بروبوغاندا التطبيع مع الصهاينة، لأنه يرسم إسرائيل ‏بشكل الدولة التي خلصت يهود العرب من التمييز والعداوة المنتشرة في الدول العربية لحين ‏هجرتهم لإسرائيل، وهي عداوة ساهمت إسرائيل بصناعتها لإقناع اليهود الرافضين ‏للصهيونية بالهجرة إلى الأراضي المحتلة.‏

أما المسلسل الثاني والذي تبثه أيضًا قناة MBC السعودية، فهو مسلسل “مخرج 7” فهو مسلسل سعودي يناقش قضايا اجتماعية وسياسية واقتصادية مرتبطة بإسرائيل، من بطولة ناصر القصبي المعروف بعدائه لهوية المجتمع، والذي طالما تطرق لمواضيع حساسة لشعب المملكة والشعب العربي بشكلٍ عام، بل أن كثيرين يعتبرونه يتكلم بلسان بن سلمان ويعرض رؤيته في تلك القضايا.

أشتهر من ذلك المسلسل، المقطع الذي يدور حول إقامة علاقات اقتصادية مع إسرائيليين، ومحاولة إظهار ‏الفلسطينيين على أنهم العدو الحقيقي للسعودية.‏ من خلال حوار يدور بين القصبي وممثل أخر، يقوم بتبرير إقامة علاقات عمل مع رجال أعمال إسرائيليين حينما قال: “العدو هو اللي ما يقدر وقفتك معاه، ويسبك ليل نهار أكثر من الإسرائيليين”.

ولطالما أثارت أعمال درامية عربية تبثها قناة “MBC” السعودية، الغضب على منصات التواصل الاجتماعي، حيث رأى النشطاء إن المسلسلين الخليجين، يدعوان للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، وإعادة تشكيل الصورة النمطية عن فكرة العدو في الذهنية العربية.

في حين رفض الناشط السعودي تركي الشلهوب ما بث في المسلسل، وقال: “الحكومة الصهيونية تعتزم مطالبة بعض الدول العربية بدفع 250 مليار دولار كتعويضات عن ممتلكات اليهود الذين كانوا يعيشون في تلك البلدان. قناة MBC قدَّمت للصهاينة خدمة كبيرة من خلال مسلسل “أم هارون” !!”

فيما قارن الأكاديمي سلطان الهاشمي بين المسلسلات التركية والخليجية، فكتب: “تركيا أنتجت مسلسلات تاريخية مثل قيامة أرطغرل والسلطان عبد الحميد، فأعادت تشكيل عقلية الأتراك واعتزازها بتاريخها وأبطالها، وعندنا في الخليج ينتجون مسلسلات يعتزون فيها بتاريخ أعدائهم الصهاينة ومحاولة تمييع وتسطيح العقل الخليجي، فرق بين من يعتز بهويته وبين من يعتز بهوية غيره”.

وهناك من الناشطين من يرى أن هذا المسلسل هو فخ مُعد بحرفية لقياس مدى رضا الشعب السعودي عن التطبيع، هذا ما ذهب إليه المغرد محمد سلمه، والذي أضاف، إنه فخ مُعد لتثبيت الرأي العام بأن العدو الأول هو إيران وليس إسرائيل.

استخدام الاعلام للترويج للتطبيع وتسقيط الأعداء الداخليين ليس بجديد

ومن متابعتنا للإعلام السعودي والاماراتي خلال السنين الأخيرة، نجد أنه كان ينتهج سياسة ثابتة في ضرب الرموز والهيئات التي لا تتوافق مع رؤية بن سلمان، فشخص مثل “ناصر القصبي” تم استخدمه كثيرًا  في اجندات بن سلمان، مثل السخرية من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تمهيدًا لحلها، بالإضافة إلى سخريته من رجال الدين بشكل عام في مسلسلاته، كما أن هذا الممثل الهزلي، طالما غرَّد بمدح سياسات التغيير التي أنتهجها بن سلمان في السنوات الأخيرة، بل وصل الامر بالإعلام السعودي ومن خلفه الاعلام الاماراتي أن يستخدم ما يسمى بـ”الشيلة” وهي أغاني شعبية سعودية لاقت روجًا عن الشباب، استخدمها لمدح العائلة المالكة وشخص محمد بن سلمان وذم مخالفيه، بالإضافة إلى التدخل في شؤون البلدان العربية والدعوة لتمزيقها وتفتيتها، مثال ذلك تلك الشيلات التي انتشرت بمدح مسعود البارزاني.  وتحريضه هو وعساكر البشمركة ضد تركيا، على أنه لا يمكن الفصل بين ذلك والعلاقات المميزة بين البرزاني والصهاينة الذين يستثمرون في بن سلمان أكثر من غيره.. والذي هو بدوره يستند عليهم للوصول إلى العرش بعد أن فقد دعم العائلة الحاكمة والعلماء ومعظم الشعب.

ويمكن لأي مراقب أن يخرج بخلاصة، بأن الألة الإعلامية التي يقودها محمد بن سلمان ومن ورائه محمد بن زايد، تصب بالضبط فيما تريده الصهيونية العالمية،ابتداء بتحقيق أهدافها بالتطبيع معها، ثم العمل على تفتيت الدول العربية إلى دويلات متناحرة متخاصمة، كي لا تبقى أمام الكيان الصهيوني دولة واحدة قوية، هذا ما نراه من جهودهم لتفتيت ليبيا وتفتيت العراق وسوريا وغيرها من الدول التي تقف شعوبها ضد الكيان الصهيوني والتطبيع معه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق