تقارير

ماذا وراء رسائل التهدئة بين السعودية وإيران؟

ماذا وراء رسائل التهدئة بين السعودية وإيران؟

“ينبغي ألا تصبح العلاقات بين إيران وجارتها السعودية مثل العلاقة بين طهران والولايات المتحدة”..

تصريح نقلته وكالات الأنباء العالمية عن “محمود واعظي”، مدير مكتب الرئيس الإيراني “حسن روحاني”، في 22 يناير/كانون الثاني، تبعه تأكيد وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي “عادل الجبير”، خلال منتدى دافوس الاقتصادي، على أن “السعودية لا تريد التصعيد في المنطقة”.

ما اعتبره مراقبون مؤشرا على اتجاه الرياض وطهران نحو تسوية التوتر بينهما، أو تسكينه على الأقل.

وعزز من قوة هذا الاستنتاج تأكيد “الجبير” أن المملكة ما زالت تحقق في الهجوم على منشآت “أرامكو” في سبتمبر/أيلول الماضي، الأمر الذي اعتبره المراقبون دليلا إضافيا على أن الرياض لا تنتوي إدانة طهران رسميا على الأرجح، رغم اتهام واشنطن لطهران بالوقوف وراء الهجمات.

وفي هذا الإطار، كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية عن وجود “رسائل متبادلة” بين إيران والسعودية بعضها تم بشكل مباشر، وبعضها تم نقله عبر وسطاء دوليين.

وتضطلع دول عدة، أبرزها باكستان، بجهود الوساطة في نقل رسائل التهدئة بين الغريمين، والتي تثير تساؤلات عدة حول الهدف من ورائها، ومدى فرص نجاح التهدئة بيت الرياض وطهران.

دوافع قاهرة

وقد ظهرت أول المؤشرات على هذه التهدئة مع اقتراح الرئيس الإيراني “حسن روحاني” لما صار يعرف باسم “مبادرة هرمز” التي تهدف إلى جمع الدول على جانبي الخليج من أجل الحوار، استنادًا إلى مبادئ ​الأمم المتحدة​؛ مثل عدم التدخل وعدم الاعتداء، وذلك في أعقاب بعد هجمات “أرامكو” في 14 سبتمبر/أيلول الماضي.

في هذا الصدد، يرى المراقبون أن هجمات سبتمبر/أيلول غيرت بشكل واضح ديناميات التفاعل بين الرياض وطهران، خاصة فيما يتعلق بالنفط، ومع اعتماد الاقتصاد السعودي على إيرادات قطاع الطاقة بنسبة تتعدى 85%، كان تهديد الصراع مع طهرات لتدفقات النفط حدثا لا يمكن تجاهله بالنسبة إلى الرياض.

وفي هذا السياق، نقلت “وول ستريت جورنال” عن مسؤول سعودي (لم تسمه) اعترافا بأن هجمات “أرامكو” “غيرت قواعد اللعبة”، وهو ما يفسر إحجام الرياض عن مسايرة الإدانة الأمريكية لإيران رسميا.

فبينما أعلن الحوثيون، المتحالفون مع إيران، مسؤوليتهم عن الهجوم، اتهم مسؤولو الحكومة الأمريكية إيران بارتكاب هجمات “أرامكو” بشكل مباشر، بينما أعلنت الرياض بدء “تحقيق” لم يصل إلى نتائج حتى الآن بحسب تصريح “الجبير”.

وفيما يبدو، فإن المملكة العربية السعودية أصبحت تخشى من إمكانية تكرار الهجمات الإيرانية على منشآت النفط السعودية، وفي ظل تراجع التزام واشنطن بأمن السعودية، استنتجت الرياض أن خفض التصعيد هو الخطة الأمثل في التعامل مع إيران في الوقت الراهن.

وكما يشير “إيان جولدبرج”، المحلل في مركز الأمن الأمريكي الجديد، في تحليل نشره بمجلة “نيوزويك” الأمريكية، فإن السعودية أدركت أن “الإيرانيين حاولوا عمدا الحفاظ على الضرر في حده الأدنى خلال ضربات 14 سبتمبر/أيلول، لكنهم قد لا يفعلون ذلك في المرة القادمة”.

انعدام الأمن

وكان لتراجع الأهمية الاستراتيجية للنفط الخليجي بالنسبة للولايات المتحدة، دور كبير في دفع الرياض لمراجعة موقفها بشأن التهدئة مع طهران.

ففي عام 2018، أصبحت الولايات المتحدة أكبر بلد منتج للنفط في العالم، مع إنتاج يبلغ 15 مليون برميل يوميا، ما يعني أن احتياج الولايات المتحدة للسعودية كمورد للنفط لم يعد كالسابق، وهو ما عبر عنه الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” صراحة عبر حسابه الموثق على “تويتر”، مؤكدا أن بلاده لا تحتاج إلى نفط الدول الخليجية، وأن على دول المنطقة والدول المستفيدة من النفط حماية الممرات البحرية دون الاعتماد الكامل على واشنطن.

وفي هذا الإطار، فإن دول الخليج الأخرى، خاصة قطر والكويت وعمان، أصبحت جزئيا أكثر انفتاحا على المحادثات مع إيران ووكلائها، وذلك بسبب فقدانها ثقتها السابقة في الولايات المتحدة كـ”حام عسكري يعول عليه”، حسبما يرى الكاتب الأمريكي المتخصص في الشؤون الدولية “ديفيد إجناتيوس” في تحليل نشره بصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية.

في السياق ذاته، يرى “كريم سجادبور” الباحث ببرنامج الشرق الأوسط أن “تشكك السعودية بشأن إيران لم يتغير، لكن حساباتها بالنسبة للولايات المتحدة هي التي تغيرت، إذ أدركت أن ترامب لن يكون ظهيرا لها، وأنها بحاجة للدفاع عن نفسها”، وفقا لما نقلته “واشنطن بوست”.

كما أن النشاط الدبلوماسي الجديد، المتعلق بزيارة وزير خارجية عمان “يوسف علوي” الأخيرة إلى إيران، والذي يعتبر وسيطا تقليديا بين الولايات المتحدة وإيران، يشي بأن الأمور بين واشنطن وطهران في طريقها إلى إبرام اتفاقات تسوية، ما يعني أن عامل الوقت ليس في صالح الرياض”.

وزاد إقدام واشنطن على اغتيال القيادي في فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني “قاسم سليماني” من حالة انعدام الأمن لدى الرياض، حيث تخشى السعودية من أن طهران قد تقرر الرد على واشنطن عبر استهداف البنية التحتية الضعيفة للنفط في دول الخليج العربية.

ونتيجة لذلك، تشرع الرياض على ما يبدو في مراجعة شاملة لسياساتها العدوانية تجاه إيران ووكلائها.

وفي هذا السياق، نقلت “وول ستريت جورنال” عن مسؤول غربي تأكيده وجود “خط اتصال ساخن” بين السعودية وجماعة “الحوثي” اليمنية، مشيرا إلى أن المفاوضات بين الطرفين انطلقت في سبتمبر/أيلول الماضي.

تحسين الصورة

من جانب آخر، تسعى السعودية لتهدئة جميع الصراعات السياسية والعسكرية حولها، بعدما باتت رؤية ولي العهد “محمد بن سلمان” لتطوير وإعادة تشكيل اقتصاد المملكة معرضة للخطر، بسبب مخاوف الدول والشركات من الاستثمار في السعودية.

وتعود تلك المخاوف إلى اعتبارين؛ الأول أمني يتعلق بعدم قدرة السعودية على حماية بنيتها التحتية، والثاني “سياسي – حقوقي” يرتبط بتفشي سياسات القمع في المملكة والتي بلغت ذروتها في واقعة اغتيال الكاتب الصحفي السعودي “جمال خاشقجي” بيد عملاء حكوميين في إسطنبول (2 أكتوبر/تشرين الأول 2018) بخلاف التقارير الأخيرة حول اختراق ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” لهاتف الملياردير الأمريكي “جيف بيزوس”، مالك صحيفة “واشنطن بوست”، بهدف سرقة بياناته وابتزازه ليمنعه من تصعيد الصحيفة الأمريكية ضده.

وتشير تقارير أن “بيزوس” ينوي “مقاضاة” الحكومة السعودية، والمطالبة بتعويض مادي قد تصل قيمته إلى 35 مليار دولار، هي قيمة ما حصلت عليه طليقته من أموال بعدما أدت البيانات المسربة من هاتف “بيزوس” إلى طلاقهما.

يشير المعلق في قناة 12 الإسرائيلية “يهود يعاري” إلى الأثر البالغ لهذه الشكوك، مشيرا إلى أن العديد من المراقبين أصبحوا غير واثقين في قدرة “بن سلمان” على إدارة البلاد بعد والده، خاصة أن “المملكة في عهده تفشل في كل المجالات”، بحسب تعبيره.

مساومات خفية

في ضوء ذلك، يشير “إجناتيوس” في تحليله إلى أن السعودية ترغب في فتح قناة دبلوماسية مع إيران مقابل أن تتعهد الأخيرة “بالتوقف عن تصدير ثورتها واحترام سيادة جيرانها قبل البدء في أي محادثات”.

وجاءت تصريحات وزير الخارجية السعودي “فيصل بن فرحان” مصدقة لما ذهب إليه المحلل الأمريكي، إذ قال للصحفيين بالرياض في 22 يناير/كانون الثاني (أي بالتزامن مع تصريحات الجبير بشأن التهدئة) إن بلاده منفتحة على المحادثات مع إيران “إذا أقرت بأنه لا يمكنها دعم أجندتها الإقليمية من خلال العنف”.

لكن لا يبدو أن طهران مستعدة لتقديم هذا التعهد، خاصة أن موازين القوى الإقليمية لا تجبرها على ذلك، وهو أوردته صحيفة “واشنطن بوست” نقلا عن مصادرها، حيث أكدت الصحيفة الأمريكية أن “السعودية قدمت مطالبها في رسالة خاصة إلى المرشد الأعلى لإيران ​(علي خامنئي)​ لكن طهران لم تقدم الضمانات المطلوبة وقدمت مقترحات دبلوماسية أخرى”.

ولذا تتوقع “إحسان الفقيه”، في تحليل نشرته بوكالة الأناضول، أن تتجه العلاقات بين السعودية وإيران في المدى القصير إلى “التهدئة” لكن دون عودة العلاقات إلى ما كانت عليه قبل 2016، عندما أعلنت الرياض قطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران.

وخلص التحليل إلى أنه “ليس من السهولة بمكان إعادة بناء الثقة بين السعودية وإيران، لكن الرياض ستسعى على الأقل في المرحلة الراهنة إلى التوصل إلى اتفاق يضمن وقف الهجمات الإيرانية على قطاع الطاقة”.

لكن على المدى المتوسط والبعيد، فإن احتمالات شن هجمات إيرانية على السعودية ستظل قائمة ما لم يتفق البلدان على تنازلات، لا يبدو أن أيا منهما يرغب في تقديمها في الوقت الراهن.

 

المصدر – الخليج الجديد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق