أخبار

رؤية 2030 والفقر في السعودية

مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث – ترجمات

 نشر موقع الجزيرة الناطق باللغة الإنجليزية مقالاً للكاتبة المقيمة في السويد “هناء الخمري” تناولت فيه حالة الفقر الكبيرة في السعودية، وأشارت إلى أن رؤية ولي العهد ابن سلمان لعام 2030 لن تخفف من حالة الفقر بين السعوديين، وقد تؤدي خطة التقشف لاندلاع ثورة في المستقبل.

وقالت الكاتبة التي عملت مراسلة لصحيفة المدينة السعودية بمدينة جدة في المقال الذي ترجمه “جزيرة العرب” إنها نشأت في السعودية في التسعينيات ، وكانت تدرك تمام الإدراك أن المجتمع السعودي مقسم على أسس طبقية، فهناك العائلة المالكة والأغنياء ، والطبقة الوسطى والفقيرة ، وكلهم معزولون اجتماعيًا وثقافيًا.

وتم تقسيم مدينة جدة – حيث عشت وعملت كصحفية بين عامي 2005 و 2010 – مثلها مثل العديد من المدن السعودية الأخرى ، ، إلى قسمين: الجزء الشمالي من المدينة كان مخصصًا للعائلات المالكة وعائلات الطبقة الوسطى العليا ، بينما كان يعيش في الجزء الجنوبي الفقراء ، والعمال المهاجرون، والمهاجرون غير الشرعيين، والسعوديون من الطبقة المتوسطة.

ولأنني لست من الطبقة الغنية ، فقد عشت في الأحياء الجنوبية الفقيرة.

كل صباح ، في طريقي إلى مكتب جريدة المدينة اليومية ، حيث كنت أعمل ، كنت أذهب إلى بائعة متجولة ، “أم محمد” ، أرملة وأم لخمسة أطفال، أجبرتها وفاة زوجها ، المعيل الرئيسي للأسرة ، على بيع الملابس المستعملة في الشارع من أجل تغطية نفقاتها، بينما كان على اثنين من أبنائها التسرب من المدرسة لأنها لا تستطيع تحمل نفقات دعم تعليمهم.

وفي حين أن المدارس الحكومية في المملكة مجانية ، إلا أن الدولة لا تغطي التكاليف الإضافية للطلاب ، بما في ذلك المواد المدرسية والمواد الغذائية.

أم محمد نفسها لم تتلقَّ التعليم المناسب، وكانت شبه أميّة ، مما جعل من الصعب عليها أن تمر بعملية بيروقراطية صعبة ؛ للتقدم بطلب للحصول على مساعدات مالية من وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، وثمة عقبة أخرى تتمثل في أنه لا يمكن إجراء هذه المساعدات إلا بوجود حساب مصرفي ، وهو ما لم تتمكن من فتحه، فلم يكن لديها المال اللازم لإيداع الحد الأدنى المطلوب لفتح الحساب، حيث يوجد في السعودية حوالي 7 ملايين مواطن ليس لديهم حسابات مصرفية ، 60 في المائة منهم تقريباً من النساء.

كانت أم محمد تعيش في حي (كيلو 6) الفقير الذي لا يوجد به نظام صرف صحي ولا مشروع مياه، ويغرق بالمياه في كل مرة ينزل فيها المطر، ويقوم سكانه بجلب مياه الشرب والغسيل من صنابير الوضوء في المساجد القريبة.

أم محمد هي واحدة من ملايين السعوديين المحاصرين في حلقة مفرغة من الفقر على أطراف المدن، التي نادراً ما تسمع العالم أو يسمع عنها.

على الرغم من أن الحكومة نادراً ما تنشر الإحصائيات ، تشير التقديرات إلى أن حوالي 20 في المائة أو أكثر، من بين 34 مليون مواطن سعودي يعيشون على خط الفقر، وكثير منهم من النساء، أو أفراد من الأسر التي فقدت عائلها، وأصبحت تعيلها نساء.

على مدى عقود ، لم تفعل الحكومات السعودية المتعاقبة الكثير لتخفيف معاناة فقراء بلادهم، فقد كانوا مترددين في الحديث بصراحة عن وجود فقراء، لأن الاعتراف بالفقر يستلزم الاعتراف بعدم المساواة في الدخل، والتوزيع غير العادل للثروة، في الدولة الغنية بالنفط.

في عهد الملك سلمان ومشروع إصلاح ابنه ، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ، فإن الوضع لا يختلف، ومن غير المرجح أن تساعد رؤية 2030 في رفع مستوى الفقراء ، فالمرجح أن تدفع تدابير التقشف التي تأتي بها الحكومة لانتقال جزء من الطبقة الوسطى إلى الطبقة الفقيرة.

 معالجة الفقر بالصدقة

على مر التاريخ السعودي ، كانت الأعمال الخيرية هي النهج المركزي لمعالجة قضية الفقر، وكون السعودية دولة إسلامية، ومهيمنة على الحرمين الشريفين ؛ فهي تلزم كل فرد ومؤسسة بدفع نسبة 2.5 في المئة من أموالهم للحكومة كجزء من نظام الزكاة الإسلامي، لكن الحكومة ، بدورها ، من المفترض أن توزعها على الأسر الفقيرة، فكانت النتيجة أن هذا النهج لم ينجح أبدًا في معالجة الأسباب الجذرية للفقر في المملكة.

في عام 2002 ، قام “عبد الله بن عبد العزيز” ، الذي كان ولي العهد في ذلك الوقت ،  بزيارة  إلى حي الشميسي الفقير في الرياض، وكانت هذه الخطوة غير مسبوقة بالنسبة للعائلة المالكة ، وكانت بداية لمبادرات الدولة المختلفة لمعالجة الفقر.

بعد أن أصبح الملك في عام 2005 ، أنشأ عبد الله الاستراتيجية الوطنية للحد من الفقر، وبرامج الدعم التكميلي التي بدأت في توزيع  معونات مالية تدفع كل شهر للأسر الفقيرة عبر وزارة العمل.

كان هذا البرنامج هو الذي تأمل أم محمد في الوصول إليه، ولكن لم تستطع ذلك بسبب العقبات البيروقراطية.

وعلى الرغم من جهود الملك عبد الله ، إلا أن الفقر بقي مستمراً، ففي عام 2013 ، وسط الربيع العربي ، وقعت السعودية حادثة انتحار بسبب الفقر، حيث أشعل “محمد الحريصي” ، بائع البطيخ ، النار في نفسه، بعد أن قيل له إنه ليس لديه إذن ببيع منتجاته في شارع بأحد الأحياء الفقيرة بالرياض.

وفقًا لتقرير للأمم المتحدة لعام 2017  ، كانت تدابير مكافحة الفقر التي اتخذتها الحكومة السعودية على مدار العقد الماضي “غير فعالة وغير مستدامة وسيئة التنسيق ، وقبل كل شيء ؛ لم تنجح في توفير حماية اجتماعية شاملة لمن هم في أمس الحاجة إليها“.

في الوقت نفسه ، واصلت السلطات السعودية تجاهل المشكلة وإبقاء اهتمام الجمهور بعيدًا عنها، فالمسؤولون السعوديون يتجنبون استخدام كلمة “فقير” في البيانات العامة، والاستعاضة عنها بالأشخاص الضعفاء، أو المحتاجين، أو الأسر ذات الدخل المنخفض.

كما أنهم يشددون على من ينتقدون الحكومة علنا لعدم اتخاذها الإجراءات المناسبة، ففي عام 2011 ،  تم اعتقال المدونين  “فراس بقنه” و”حسام الدرويش” لنشرهما شريط فيديو يوثق الظروف المعيشية الصعبة في حي الجرادية الفقير بالرياض.

في عام 2014 ، قللت الحكومة   من تقرير “سامي بن عبد العزيز الدامغ” ، الأستاذ بجامعة الملك سعود بالرياض ، حول مشكلة الفقر في المملكة، واقترح وضع حد للفقر في البلاد ، وهو ما رفضته الحكومة.

 رؤية 2030

عندما وصل الملك سلمان إلى السلطة في عام 2015 ، كان الاقتصاد السعودي يمر بصدمة انخفاض كبير في أسعار النفط، وفي غضون أشهر ، كان سعر النفط قد انخفض من 100 دولار إلى 50 دولارًا للبرميل ، مما قلص نصف أرباح تصدير النفط ، والتي شكلت نحو 87 في المائة من عائدات الميزانية السعودية.

احتاجت المملكة إلى اتخاذ تدابير تقشفية كبرى ، وقرر الملك تمكين ابنه محمد بن سلمان (المعروف أيضًا باسمMBS) من القيادة، وفي عام 2016 ، أعلن ولي ولي العهد آنذاك عن رؤية 2030 ، وهو مشروع إصلاح صاغته شركة الاستشارات “ماكينزي” المثيرة للجدل، ومقرها الولايات المتحدة.

رؤية 2030 من المفترض أن تنقل السعودية نوعياً، عبر فصل اعتماد اقتصاداها على النفط، وتقترح خطوات طموحة لتنويع اقتصادها من خلال تنمية القطاع الخاص وتقليص القطاع العام، والركن الرئيسي للمشروع هو خصخصة شركة النفط الحكومية السعودية أرامكو ، التي حظيت بالكثير من الاهتمام على المستوى الدولي.

لكن هناك مبادرات الاقتصادية التي لم تحضَ بتغطية إعلامية ؛ تشمل خصخصة مؤسسات الخدمة العامة المهمة ، مثل المستشفيات والمدارس ، وزيادة الضرائب، وخفض العمالة في القطاع العام ، حيث أن ثلثي السعوديين حالياً موظفون في الدولة. لكن تحت رؤية 2030 ، من المفترض أن تنخفض إلى 20 في المئة . بعد وقت قصير من الإعلان عن المشروع ، بدأ ابن سلمان في تنفيذ بعض أحكامه القاسية، ففي سبتمبر 2016 ، أعلنت الحكومة  عن تخفيض أجور موظفي القطاع العام، وفي عام 2017 ،  أصدرت جدولًا زمنيًا لخفض الدعم عن الوقود والغاز الطبيعي والكهرباء والمياه خلال السنوات القليلة المقبلة، وفي عام 2018 ، فرضت الحكومة ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5 في المائة على معظم السلع والخدمات.

أدت هذه القرارات الاقتصادية إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية ، بما في ذلك الوقود ، والتي لم تؤثر فقط على الفقراء السعوديين ؛ بل أثرت أيضًا على الطبقات الوسطى ، التي كانت تعتمد منذ أجيال على هبات الدولة، وفجأة وجدت جميع الأسر ذات الدخل المتوسط نفسها غير قادرة على دفع تكاليف السكن وضرورياتها الأساسية.

تسبب هذا في موجة من الغضب العام، وهروب رأس المال ، وقرر العديد من السعوديين ليس فقط تحويل أموالهم إلى خارج البلاد ؛ ولكن الهجرة أيضًا.

في عام 2016 ، قدرت الحكومة أن حوالي مليون سعودي غادروا البلاد للبحث عن سبل العيش في الخارج في فترة قصيرة من الزمن، وما زاد الوضع سوءاً القمع الذي أطلقته الحكومة على المعارضة تحت إشراف ابن سلمان.

 تدابير ابن سلمان لمكافحة الفقر

على الرغم من مزاعم تحويل السعودية ، فإن رؤية 2030 لم تذكر بأي حال قضية الفقر في المملكة، فمن بين برامجها المختلفة العديدة ؛ هناك برنامجان فقط يبدو أنهما يركزان إلى حد ما على الأمراض الاجتماعية والاقتصادية.

يحتوي برنامج التحول الوطني(NTP) على عدد من الأهداف المعلنة ، بما في ذلك “زيادة النسبة المئوية للمناطق السكنية ، بما في ذلك المناطق الطرفية ، التي تغطيها الخدمة الصحية من 78٪ إلى 88٪“.

و “زيادة النسبة المئوية للسكان الذين يمكنهم الحصول على خدمات المياه” من 87 ٪ إلى 92 ٪ “.

ويهدف برنامج الإسكان إلى “زيادة نسبة ملكية المنازل بين المواطنين السعوديين إلى 60٪“.

وغني عن القول ، أنه لا يمكن لأي من هذه التدابير أن تخفف من أسباب نشوء الفقر في المملكة، وقد أشار الخبير الاقتصادي السعودي “إحسان بو حليقة” في عام 2016 بعد الكشف عن رؤية 2030 ، إلى أن “هناك حاجة ملحة لإعادة هيكلة شبكة الأمان الاجتماعي” في السعودية ، والتي كان ينبغي أن تحدث قبل تخفيض الإنفاق العام على الإعانات.

ولأن الحكومة السعودية لم تفعل ذلك ؛ لم يكن هناك إجراء انتقالي لحماية الأسر ذات الدخل المنخفض عندما تم إقرار الخفض في الإنفاق العام، التي كانت من الممكن أن تخفف من رد فعل الجمهور.

وأجبر الاستياء المتزايد وخطر الاضطرابات الاجتماعية ابن سلمان على التراجع عن بعض خططه ، وإعادة  مدفوعات المكافآت  لموظفي القطاع العام، وتقديم برنامج حساب المواطن الجديد الذي يصرف الأموال للأسر المحتاجة.

قد تساعد هذه التحويلات النقدية المباشرة بعض العائلات على مواجهة الارتفاع المفاجئ في أسعار السلع الأساسية والإيجار ، ولكنها لن تساعد في إخراجهم من الفقر، أو توفير الأمن المالي لهم على المدى الطويل.

هذه المساعدات الخيرية لم تخفف من مشكلة الفقر في السعودية في الماضي، ولن تفعل ذلك الآن، إذ لا تساعد هذه التدابير في سد الفجوة الموجودة في التفاوت الطبقي للمجتمع، وقد ينزع فتيل التوتر على المدى القصير ولكن لن يجنب المملكة من الغضب القادم، فقد حذر البنك الدولي من أن السعودية تواجه ” مشكلة فقر تلوح في الأفق“.

وهناك أمثلة في بلدان أخرى كثيرة، حول كيف أن السياسات النيوليبرالية، وخصخصة الخدمات العامة، وتدابير التقشف ؛ تفاقم  الفقر في المجتمع، وتؤدي إلى الاضطرابات الاجتماعية.

وحتى لو تمكنت السعودية من تحقيق نمو اقتصادي بموجب رؤية 2030 ؛ فإن هذا لن يخفف من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي يواجهها غالبية السعوديين (الفقراء والطبقة الوسطى)، فالجميع يعلم أن فكرة تدفق الثروة إلى الطبقات الأكثر فقراً في المجتمعات ؛ لا تعمل دون سياسات توزيع الثروة الرئيسية.

وأشار المحامي “يحيى الشهراني” ، أنه إذا كانت الحكومة تريد حقاً حماية الفقراء ؛ كان يمكن أن تخفض الدعم، وتفرض الضريبة على الأغنياء فقط، بدلاً من فرض ضريبة ثابتة على الجميع.

علينا أن نتذكر أن رؤية 2030 يتم تنفيذها في مجتمع مزدحم بشبكات الرعاية، ودولة لا تملك فصلًا مناسبًا بين السلطات، وهذا يعني أن الثروة لن تتحول بالضرورة إلى الخصخصة، وأن القلة المتميزة في قمة المجتمع السعودي ستستمر في الاستفادة من التحول الاقتصادي بشكل غير متناسب.

و قال “بو حليقة” أنه “في حال غياب الحماية العمالية ؛ فإن دفع المزيد من السعوديين إلى القطاع الخاص سيعرضهم لمزيد من الاستغلال والضرر، فالمؤسسات الخاصة تدفع في المتوسط  60 في المئة من المبالغ التي تدفعها المؤسسات العامة لنفس الوظيفة.

ما تهدف إليه رؤية 2030 هو إنهاء الدولة “الريعية” السعودية، و من الناحية النظرية ، قد تكون هذه خطوة إيجابية. لكن من الناحية العملية ، فإنها تقوض أساس العقد الاجتماعي غير المكتوب بين الشعب السعودي وآل سعود، حيث يستند الولاء للعائلة الحاكمة على إعادة توزيع ثروة البلاد النفطية.

إذا كان لا بد من تغيير هذا العقد، واستخراج الثروة من السكان من خلال فرض الضرائب ؛ فسيتعين أيضًا إجراء إصلاحات سياسية واجتماعية، ويجب أن تكون هناك شفافية ومساءلة حول كيفية إنفاق أموال دافعي الضرائب ، فعدم الكشف عن إنفاق الضرائب ؛ يعتبر استبداد.

هذا بالطبع ليس جزءاً من رؤية 2030، لكنه يعتبر أحد الأسباب التي تقابل بالقمع في سياسة ابن سلمان ، فقد تم بالفعل سجن الاقتصادي السعودي  “عصام الزامل”  وكاتب جريدة الوطن  “صالح الشيحي” ، إضافة لآخرين كثيرين ، بسبب انتقاداتهم العلنية للخطة، وفي الواقع ، فإن كل من تجرأ على التعبير عن أي شيء سوى الثناء على ولي العهد تعرض للضغوط أو السجن أو النفي.

وفي الوقت الحالي ، قد يعمل القمع والهبات النقدية لتخفيف الغضب العام، لكنهم لن يتخلصوا منه بشكل نهائي.

وهناك بالفعل شقوق بدأت بالظهور، فالطبقة الوسطى السعودية ، التي لطالما كانت مؤيدة للوضع السياسي الراهن ؛ أصبحت غير راضية بشكل كبير، ويمكن أن تؤثر تدابير التقشف بشكل كبير على التوجهات السياسية للسلطات السعودية ، وتؤدي إلى اضطرابات سياسية واقتصادية، وأحد أشكال هذا الاستياء هو العدد المتزايد من السعوديين الذين يفرون من البلاد، وبدأ بعضهم بالفعل في التنظيم السياسي في المنفى.

إذا لم يتم تنقيح “رؤية 2030” لمعالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية الرئيسية، والفقر ؛ فسوف يستمر التفاوت والظلم في النمو ، ومن المرجح أن تواجه المملكة العربية السعودية عدم استقرار سياسي كبير في المستقبل.

المصدر: الجزيرة

بقلم: هناء الخمري

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق