تقارير

قراءة في مقابلة ولي العهد.. “نمر من ورق”

ظهر ولي العهد السعودي مجدداً على شاشة التلفزيون الأمريكي CBSفي برنامج 60 دقيقة للحديث عن أوضاع المملكة والملفات التي يديرها داخلياً وخارجياً من قتل المعارضين ومطاردتهم وسجنهم إلى ملف الإصلاحات وحرب اليمن الوحشية التي أدت إلى مقتل وإصابة مئات الآلاف حسب ما تشير الأرقام الأخيرة.

بشكل عام، وصف ولي العهد نفسه ب”قائد” المملكة العربية السعودية الذي يجب أن يتحمل المسؤولية، لم يذكر “ابن سلمان” والده الملك ولا مرة واحدة في المقابلة! ولم يحدث ذلك من ولي عهد سابق.

يحرص “ابن سلمان” على تقديم نفسه للأمريكيين والأوربيين بصفته الملك صاحب الصلاحيات والكلمة الأخيرة. وهو ما استمر بفعله من خلال التعيينات والتعامل على أنه “الملك” القادم للبلاد.

إن تصرف ولي العهد خلال المقابلة، يؤكد التحليلات والمعلومات المسربة من داخل العائلة الحاكمة أن “ابن سلمان” يعتبر نفسه ملكاً وليس ولياً للعهد. ما يعطي صورة عن شخصية مهووسة بالسلطة لا شخصية قيادية ورجل دولة قادم من أسرة ملكية. ويؤكد أن كل القضايا في يديه وحده فهو صاحب السلطة المطلقة التي لا ينازعه فيها أحد، وهكذا أسس لنفسه منذ 2015 محمياً بحماية والده المعجب بشخصيته.

 جمال خاشقجي

باشرت المحطة الأمريكية سؤال “محمد بن سلمان” عن قضية الصحافي جمال خاشقجي وإن كان قد وجه الأوامر بقتله أم لا، أجاب “ابن سلمان”: بلا شك لا، هي جريمة مؤلمة ولكني اتحمل المسؤولية بصفتي قائداً للمملكة العربية السعودية. يعرف الجميع أن معظم المجرمين الذين تتم محاكمتهم كـ”كبش فداء” لبقاء “ابن سلمان” هم من الدائرة المقربة منه وما كانوا ليذهبوا بطائرات وأدوات حكومية،بدون أمره ،وكذلك هي جريمة تمت داخل قنصلية البلاد باتصالات تمت مع “ابن سلمان” نفسه، وإشرافه إلى جانب “سعود القحطاني” أقرب المقربين إليه. إن هذا الاعتراف بالمسؤولية يفترض أن تقدمه “ابن سلمان” للمحاكمة لكن القصور القضائي، وتحوله إلى أداة يحول دون ذلك.

وفي منطق الدول المحترمة -على أقل تقرير- بما أن “ابن سلمان” أعترف بقتل جمال خاشقجي فيفترض أن يُقدم استقالته. ففي أي بلاد تحدث جريمة بشعة، أو كارثة بما فيها اصطدام قطارات أو حوادث عنف أو هزائم عسكرية أو فشل إداري أو فساد مالي، فإنه يلزم من ذلك يُقدم المسؤول استقالته، وبالتأكيد أن وزير النقل لم يكن يقود القطار أثناء الاصطدام أو رئيس فريق الصيانة، بل هو مسؤول لأن ما قاموا بذلك تحت إمرته. وكذلك جريمة خاشقجي المروعة فكل من ارتكبوا الجريمة هم أقرب المقربين ل”ابن سلمان” وضمن دائرته الضيقة.

ما قاله “ابن سلمان” حول تحقيق العدالة ل”خاشقجي” يعرف السعوديون أنه “هراء” ف”سعود القحطاني” ما زال يمارس دوره وعمله ، أما البقية الذين تحولوا إلى أكباش فداء فالمحاكمات -إن وجدت-فهي تمشي ببطء مع مرور العام الأول على مقتل خاشقجي.

أشار “ابن سلمان” إلى أن أي مُتهم لن يفلت من العقاب مهما كان منصبه، وبالطبع أن ذلك لا يشمله،رغم اعترافه الاستعراضي، وإن كان “ابن سلمان” مسلماً للتحقيقات فليسمح بلجنة تحقيق دولية باعتبار جريمة القتل تمت في قنصلية خارج البلاد، وباعتبار القضية دولية، أما أن يصبح “ابن سلمان” قائد فريق التحقيق ومسؤول فريق القَتل والقاضي في نفس الوقت فذلك تلاعب بالقضية لا ينطلي على أحد.

قدمت نورا أودونيل المذيعة التي أجرت المقابلة سؤالاً ل”ابن سلمان” يقول: ما الذي قد يمثله كاتب عمود في صحيفة من تهديد على السعودية ليستحق القتل بهذه البشاعة؟! حاول ابن سلمان الإجابة بطريقة عبثية: أن الصحفيين لا يمثلون تهديد للسعودية بل ارتكاب مثل هذه الجريمة. وهي إجابة سيئة للغاية فالسعوديون ،وجميع المنظمات الحقوقية يدركون أن مشكلة ولي العهد والعائلة الحاكمة منذ تأسيس المملكة هي “حرية الرأي والتعبير”، إذ يعتبرون “حرية الرأي” تهديداً للأمن القومي السعودي أكثر من الصواريخ الباليستية والطائرات دون طيار التي تخترق الأجواء السعودية.

لا توجد حرية رأي وتعبير في المملكة، ومن يريد الحديث بحرية يهرب خارج البلاد! كان خاشقجي يحاول ممارسة حقه في الرأي والتعبير لذلك انتقل إلى خارج المملكة كما فعل عشرات السعوديين الأخرين، فمن يُعبر عن رأيه سيبقى في السجن مثل مئات الأشخاص الأخرين الموجودين في الداخل، دون محاكمات منذ سنوات.

المعتقلات

أشارت نورا أودونيل إلى أن هناك حوالي عشرة ناشطات تم احتجازهن لأكثر من عام. لماذا وضعن في السجن؟ أجاب “ابن سلمان” بأن السعودية تحكمها قوانين، التي قد لا يوافق على بعضها، متحدثاً عن لجين الهذلول المحتجزة منذ عام في سجون السعودية دون محاكمة. سألت “أودونيل” إن كان الوقت قد حان للسماح لها بالرحيل من السجن؟! لكن “ابن سلمان” قال إن الأمر متروك “للمدعي العام” زاعماً أنه “مستقل”. مع أن “الادعاء العام” تحت سيطرته وملك يمينه فهو من يعزل ومن يعين ويسيطر على القضاء والنيابة العامة.

الاتهامات التي وجهت إلى لجين في ست صفحات تتمثل في نشاطات ضد قوانين ولاية الرجل في المملكة بالإضافة إلى التواصل مع صحفيين ودبلوماسيين أجانب، وطلبها وظيفة في الأمم المتحدة والتحدث مع منظمة العفو الدولية!

رغم ذلك يقول “ابن سلمان” أن لجين الهذلول لم تتعرض للتعذيب وسيحاسب من قام بذلك. وقد أكدت عائلتها والمعتقلات اللاتي كنّ معها وأطلقن تعرضها للتعذيب والتهديد بالاغتصاب. وبدلاً من الإفراج عنها وعن المعتقلين يُصر “ولي العهد” على إظهار حزمه ونقمته على “حرية الرأي” كما يفعل سائر الحُكام الدكتاتوريين.

الخطاب التصالحي في اليمن

في مقابلة سابقة ل”محمد بن سلمان” عام 2017 قال إن الوقت في اليمن لصالح المملكة العربية السعودية، في مقابلته مع “CBS” أظهر “ابن سلمان” نيته التفاوض مع الحوثيين، على الرغم من أن المقابلة تم إجراءها بعد استهداف قلب صناعة النفط السعودية (14 سبتمبر/أيلول2019). أبدى “ابن سلمان” خطاباً تصالحياً، على مبادرة الحوثيين الأخيرة التي تقترح وقف إطلاق الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية على السعودية مقابل وقف الغارات الجوية.

على عكس السابق قدم “ابن سلمان” السعودية كطرف في الحرب وليس الحكومة الشرعية التي يفترض أن المملكة تدخلت لنصرتها وليس لقيادة حربها بنفسها. لم يذكر مطلقاً “الحكومة اليمنية” واكتفى بالحديث عن التصالح مع الحوثيين في حال أوقفت إيران دعمها للحوثيين وليس إذا التزموا بتسليم الأسلحة والمرجعيات الثلاث التي شدد عليها مراراً خلال سنوات الحرب.

يبدو أن “ابن سلمان” شعر بالخذلان من حلفاءه الإماراتيين والغربيين، والتورط في حرب اليمن، وهي الحرب التي بدأها لتكون مشروعه للوصول إلى كرسي الملك، وبالتأكيد أنه فشل في هذا الملف ، كما عجز عن إغلاقه تماماً كما يريد.

بل يعتقد محللون إن تزايد قوة الحوثيين وتهديدهم لرؤى ولي العهد الاقتصادية في المملكة مع عدم القدرة على حماية الحدود الجنوبية مع اليمن. والذهاب للحوار مع الحوثيين في ظل موازين القوى الحالية تعني “هزيمة” منكرة لولي العهد في أول حروبه الخارجية.

الخطاب مع إيران

على عكس المتوقع أظهر “ابن سلمان” خطاباً تصالحياً مع “إيران” العدو اللدود للمملكة، متراجعاً عن خطابه بإشعال حرب لوقف التمدد الإيراني في المنطقة. وتدمير إيران خلال ساعات! بل أظهر اهتزازاً واضحاً أمام الموقف الإيراني وهو اهتزاز مستمر بفعل فشله في معظم الملفات التي تزعمها.

وعلى الرغم من اعتباره “الهجوم الإيراني” على “أرامكو” الذي أدى إلى وقف مؤقت لنصف إنتاج السعودية من النفط، ب”إعلان حرب” إلا أنه أشار إلى “أن الحل السياسي والسلمي أفضل بكثير من الحل العسكري”! فأين كان هذا الخطاب في اليمن قبل خمس سنوات. ولماذا هذا التراجع السريع؟!

ومن جانب آخر أكدت إيران، يوم الإثنين (30 سبتمبر/أيلول2019)، عن وصول رسائل لها من السعودية من أجل التفاوض لوضع حل للموقف المتأزم في منطقة الخليج من خلال تلك الأطراف.موضحة أنها تؤيد مبدأ التفاوض مع دول الخليج والسعودية خاصة، ولكنها تريد من المملكة رسالة علنية تستطيع الاعتماد عليها في تفاوضها لإنهاء الأزمة المحتقنة بالخليج.

وللرسائل السرية الكثير من الحبر، حيث سبق أن أكد عمران خان، رئيس الوزراء الباكستاني في الأمم المتحدة عن طلبٍ سعوديٍّ لوساطة بلاده في الخلاف مع إيران. في الوقت نفسه كشَف فيه عادل عبد المهدي، رئيس الوزراء العراقي، الذي زار الرياض الأسبوع الماضي عن طلب مماثل للوساطة مع إيران تُنهي العديد من القضايا الخِلافيّة معها، وعلى رأسِها حرب اليمن.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق