أبحاث ودراسات

مرتكزات السياسة الخارجية السعودية.. انعكاس السياسة الداخلية ومتغيرات الإقليم

مقدمة

تُعرف السياسة الخارجية بكونها برنامج عمل الدولة في المجال الخارجي التي تنطلق من مرتكزات وثوابت وسلوك صانعو القرار للدولة في السياسة الخارجية لتحقيق أهداف الدولة

تأسست الدولة السعودية بحدودها الراهنة وبنفس المسمى الحالي (1932)، ومنذ هذا التاريخ امتلكت المملكة العربية السعودية أهدافاً في السياسة الخارجية، لتبقى واحدة من أبرز الدولة المؤثرة في المنطقة والعالم، لاعتبارات (دينية وسياسية واقتصادية). 

وبما أن معرفة الأهداف الخارجية للدولة تمثل نصف فقه السياسة الخارجية، فإن معرفة الأدوات التي تُنفذ من خلالها هذه الأهداف هو النصف الثاني.

تناقش هذه الورقة مجمل مرتكزات “السياسة الخارجية السعودية” والثابت والمتغيّر فيها، وسلوك صانع القرار السعودي بناءً على المدخلات المحلية، مقدماً التعامل مع اليمن كأنموذج.

 مرتكزات السياسة الخارجية السعودية

بادئ ذي بدء فإن فِهم محددات السياسة الخارجية السعودية ضرورة لمعرفة سلوك صانع القرار السعودي وأدواته للتعامل مع الأزمات والأوضاع، ضمن أُطر الأمن القومي والمصالح المشتركة

تشير دراسات أن السياسة السعودية تبدو ثابته رغم تغيّر الملوك وأولياء العهود منذ التأسيس[1]، لكن هذا لا يبدو دقيقاً، فالسياسة السعودية تتغير بتغيّر الأشخاص، مرتبطة بدرجة من الولاءات القبلية والخارجية مثل القبَول الأمريكي لأولياء العهود. لذلك فبالرغم من حالة الجمود التي يعتقدها المراقب للشأن السعودي وسياسة القمع المتفشية في الداخل بمرور الملوك إلا أنها تبدو متغيرة من عدة نواح متعلقة بالتفاعلات والتحالفات

وأبرز هذه المرتكزات:

  • البُعد الإسلامي:

 التشريع الإسلامي والهوية العربية الإسلامية، التي وإن كان تأثيرها الأكبر على السياسة الداخلية، فإنها تظهر في بصماتها في السلوك الخارجي للمملكة، إذ يمثل وجود “الحرمين الشريفين” مصدراً من مصادر القوة المُستخدمة في السلوك الخارجي للدولة، وتأثيره على دول العالم الإسلامي، وبصفتها أمام الدول الأخرى الغربية بصفتها القائد للمجتمع المسلم وحامية حمى الإسلام والعروبة[2].ويظهر ذلك واضحاً خلال عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز ولاحقاً في عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز، فقد مُنعت شعوب وقادة سياسيون خلال العهدين من الحج والعمرة، وفي أحيان يتم اعتقال معارضين لحلفاء المملكة في دول العالم الإسلامي ويتم تسليمهم إلى تلك الجهات[3].مع أن الوجود في الأراضي المقدسة حق مكفول.

ويرتكز هذا البُعد على عدة أمور، متعلقة بحق احتكار السلطات السعودية حق تمثيل “السياسة الإسلامية” في الوطن العربي والمنطقة من ذلك

  • مكة والمدينة: أظهرت المملكة العربية السعودية سلوكاً تجاه استخدام “الحرمين” لزيادة النفوذ في الدول الإسلامية، فقد انقلبت منذ وقت مبكر على تعهدات قدمها مؤسس المملكة عقب دخوله مكة والمدينة وإنهاء حُكم “الأشراف” في الحجاز بأن تكون مكة والمدينة تحت إدارة إسلامية في محاولة لتهدئة العالم الإسلامي مع اشتداد معارضة اجتياح الملك عبدالعزيز آل سعود ل”اجتياح مكة والمدينة”. ويعود ذلك الانقلاب لمعرفة الملك عبدالعزيز أن السيطرة على “الحرمين الشريفين” قيّمة كبيرة للنفوذ في المنطقة الإسلامية والظهور كدولة محورية

استخدمت المملكة العربية السعودية “مكة والمدينة” ضمن سياسات متعددة لزيادة نفوذها[4]، فقامت خلال العقود الأولى للتأسيس ببناء دور العبادة والمساجد، -لكنها تراجعت مؤخراً عن معظم ذلك- وترسيخ الدور المذهبي “السلفي” في معظم دول العالم الإسلامي لزيادة نفوذها وسياساتها الخارجية بل واحتكار هذا الخطاب خصوصاً في دول شرق آسيا وأفريقيا، ولا يتعلق ذلك بالدور الديني أو بنشر الإسلام كما تحاول الألة الإعلامية التابعة للمملكة الترويج له بل يتعلق بزيادة التأثير في القرار السياسي للدولة[5].

  • القضية الفلسطينية: كانت تتحرك المملكة العربية السعودية في القضية الفلسطينية من خلال التلبس ب”إسلامية” القضية، ومحاولة التحرك بشأن القضية الفلسطينية بما لا يخدش البُعد المتعلق بنفوذ المملكة في العالم الإسلامي لاستخدمها “مكة” و”المدينة” في سياستها الخارجية، وتجلى ذلك ضمن مواقف السياسة الخارجية للمملكة في مختلف المناسبات والمحافل الدولية[6]. على الأقل كانت هذه النظرة عن الأدوار السعودية على الرغم من أنها قدمت خططاً من أجل الاعتراف ب”دولة إسرائيل” (2004) في الجامعة العربية عقب الضغط الدولي عليها عقب هجمات سبتمبر (أيلول)2001م. في الوقت الحالي تظهر “السعودية” أشد قرباً من “الاحتلال الإسرائيلي” من خلال الترويج ل”صفقة القرن”[7].
  • البُعد الديمقراطي:

 منع وجود أنظمة ديمقراطية في الوطن العربي مستخدمة التعريفات الصادرة عن المؤسسة الدينية التي تتبع “السلطات” لذلك ستقف ضد وجود حالة ديمقراطية في المنطقة خشيّة حدوث عدوى داخل المملكة وهذا ما حدث بالفعل بعد (انتفاضات) ما عُرف بالربيع العربي (2010-2011) حيّث رعت المملكة انقلابات ضد الأنظمة الديمقراطية الوليدة. حتى لو كان التمثيل الحالي الموجود ضمن (الإخوان المسلمين) الجماعة الإسلامية التي دعمتها المملكة خلال حربها الباردة مع الرئيس المصري جمال عبدالناصر خمسينيات وستينيات القرن الماضي. ويعتبر هذا واحد من ثوابت السياسة السعودية الخارجية.

ويشير هذا النهج إلى أن السياسة الخارجية للمملكة كانعكاس للسياسة الداخلية، القائمة على رفض حرية الرأي والتعبير، وانعدام -بل وتحريم- النهج الديمقراطي، كما يرى خبير العلاقات الدولية “مارسيل ميرل” في تعريفه للسياسة الخارجية[8].

لذلك فإن حالة العِداء التي تقوم بها السلطات السعودية تجاه الديمقراطية وما يتعلق بها في الداخل، ينبع من شعور ب”الخوف” أو من “حالة القلق” من تصاعد المطالبة بحقوق الإنسان وحقّ التعبير والرأي ما ينازع السلطات الحاكمة صلاحيتها واحتكار الأسرة الحاكمة حق إدارة الدولة والسيطرة على السلطة والثروة. ينعكس ذلك على السياسة الخارجية في إفشال أيّ جنوح للديمقراطية في دول الجوار أو في المنطقة العربية ذات الـتأثير الأكبر على المملكة العربية السعودية خوفاً من انتقالها إلى الداخل

  • البُعد الاقتصادي والمالي

تمتلك السعودية أضخم احتياطي نفطي عالمي، وتقع معظم مسؤوليتها الخارجية والإقليمية على هذا البُعد. وشكل دخول المملكة ضمن الدول العشرين واعتبارها واحدة من أكثر دول نجاحاً في الاقتصاد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا[9]. تسهم المملكة العربية السعودية، التي تمثل إمداداتها النفطية حوالي خُمس احتياطي العالم، بنسبة 38 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي(GDP) للدول العربية[10].وهو ما يعني حضورها الدولي والإقليمي ليس فقط خلال الفترة الحالية بل وفي المستقبل، وحجم تأثيرها في المنطقة والعالم، باستخدام الاقتصاد كأداة.

في ذات الوقت هذه الطفرة النفطية و”الاقتصاد الريعي” هو ما يمثل العقد الاجتماعي بمكوناته القبلية والدينية والبرجوازية -ما يطلق عليها بالنُظم الاجتماعية السياسية(Sociopolitical)[11]-الذي يَنَظّم علاقة القوة الشعبية بالأسرة الحاكمة. ومع انخفاض أسعار النفط فإن هذا العقد بحاجة للتغيير مقابل الحصول على حقوق سياسية كاملة. وهو ما قد يكون مؤثراً في بُعد ثالث للسياسة الخارجية للدولة[12].

وتقدم السعودية مساعدات وقروض للدولة الإسلامية، مستخدمة هذه الطفرة النفطية كأداة لتحقيق تداخلاتها في تلك الدولة وإنفاذ أهداف سياساتها الخارجية التدخلية

مستخدمة: أسلوب العصا والجزرة، فالأخيرة تمثل إيجاد حافز اقتصادي للدول لاتخاذ قرارات ومواقف بعينها عن طريق الإغراء الاقتصادي بالمنح والمعونات والمساعدات، أما الأولى فتشير إلى استخدام الضغط الاقتصادي بغرض دفعه لتغيير سياساته[13]، أو تحقيق خسارة أو ضرر اقتصادي لإرغام الطرف الهدف على مراجعة سياساته أو ألا يتخذ سياسات بعينها

  • البُعد التدخلي:

تزعم ثوابت السعودية إنها لا تتدخل في الدول سياسات الدول الأخرى إلا بطلب. حيث تستمد السعودية وجودها وحضروها كقائدة لشبه الجزيرة العربية ودول مجلس التعاون الخليجي، ومعظم دول المنطقة تطلق عليها “الشقيقة الكبرى“. 

إن اعتبار السعودية دولة قائدة للعالم الإسلامي ومرتكز شبه الجزيرة العربية يجعل سياستها في الدول أكثر تدخلاً، فهي ترى بقيّة الدول كتابع بما في ذلك دول مجلس التعاون الخليجي، وعندما تحوّل النظام في شمال اليمن من ملكي إلى جمهوري (1962) تدخلت المملكة في محاولة تغييره لتخسر حرب الثمان سنوات ويبقى ذلك النظام. كما تدخلت في البحرين عام (2011) في قمع مطالبات السكان بالتغيير والديمقراطية

وقاطعت جارتها قطر مرتين الأولى (2014) والثانية (2017 -حتى اليوم “أغسطس/آب2019”) لأسباب تتعلق بشروط لتغيير السياسة الخارجية للقطريين

التدخل في اليمن كنموذج للسياسة الخارجية السعودية 

تدخلت السعودية في اليمن عام 2015م لمواجهة “انقلاب” جماعة الحوثي المسلحة المدعومة من إيران على السلطة الشرعية التي يمثلها “عبدربه منصور هادي”، تحركت السياسة السعودية بكل ثقلها لمواجهة الحوثيين، عسكرياً وإعلاميا وسياسياً ودبلوماسياً واقتصادياً. واليمن بطبيعة الحال هي مشكلة دائمة لصناع القرار السعوديين- من وجهة نظر رسمية- حيث عبرها يتسرب المهاجرون الأفارقة، والعدد الكبير من السكان (30 مليون نسمة) إلى جانب حالة الفقر وقِلة الموارد، والحروب الدائمة يجعل أمن المملكة في خطر دائم، وهي نتيجة أخطاء متعاقبة لدى صُناع القرار في المملكة وتراكم حكومات يمنية فاسدة على المدى الطويل

وتحركت السياسة السعودية في عدة مسارات

  • المسار العسكري: تهرباً من الالتزامات الدولية بدخول دولة جارة، دخلت المملكة العربية السعودية ضمن تحالف عربي أعلن عن حملة عسكرية لا هوادة فيها لمواجهة الخطر الحوثي وشنت حملة قصف ضد مواقع الحوثيين، وأبرز أخطاء هذا المسار أنه لم يحدد متى تنتهي الحرب وكيف؟! فمن السهل أن تفتح دولة حرباً في بلد مجاورة ومن الصعب أن تغلقها. وتكلف الحملة العسكرية على المملكة 200 مليون دولار يومياً

في ذات الوقت كانت الداخلية السعودية مستمرة في مكافحة ومواجهة الهجرة القادمة من اليمن. كما زادت من فرض رسوم جديدة على المقيمين وبينهم اليمنيين، عشرات الآلاف هؤلاء عادوا إلى مناطق خاضعة لسيطرة الحوثيين ما يثير الكثير من الكراهية. في ذات الوقت فإن إطالة أمد هذا الصراع جعل صورة المملكة بين أنصارها داخل اليمن سيئة للغاية مع استمرار الانقلابات على الحكومة الشرعية وعدم قدرة المملكة على ضبط أهداف الإمارات شريكها الرئيسي في البلاد.

  • المسار السياسي: يقوم هذا المسار على الحصول على تأييد من قطاعات واسعة من الشعب باعتبار الهجوم والخطر قادم من العدو اللدود للمملكة، وهي “إيران” وهذه المنهجية التي تفاعلت في الداخل عبر وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي. وتحويل الخطاب الديني إلى حرب “طائفية” بين السنة والشيعة، وهو أمرٌ سيء للغاية فهناك أقلية شيعية سعودية يجعل من هذا الخطاب تحريض كبير عليها ويزيد من ارتباطها الفكري بالحوثيين مقابل عزلة مجتمعية من داخل البلاد، ما يزيد من حالة الاحتقان المجتمعية ضد السلطات

داخل اليمن، أدت الحرب إلى التسبّب بمزيد من الانهيار في ماتبقّى من الدولة اليمنية، وأدّت، في الواقع، إلى ظهور عاصمتَين للبلاد، عاصمة يسيطر عليها الحوثيون “صنعاء” وعاصمة مؤقتة أعلن عنها “عبدربه منصور هادي” في عدن جنوبي البلاد. ومع استمرار الحرب أدت التشكيلات العسكرية التي أسسها التحالف في اليمن إلى منازعة عبدربه منصور هادي وحكومته “المناطق المحررة من الحوثيين”؛ زاد من هذا السُّوء الدور الإماراتي الذي يحرص على إزالة “شرعية هادي” والتي تعتبر مشروعية تدخل السعودية في البلاد ويضعها أمام اعتبارات سيئة في القانون الدولية.

  • مسار الأمن القومي: تعتبر السعودية أن إيران مسؤولة عن كل التهديدات الأمنية التي تتعرّض لها، بما في ذلك الحوثيون في اليمن. فهي ترى أن إيران تجعل تنظيم الدولة الإسلامية أو القاعدة أكثر جذباً للسكّان المحليين في اليمن عبر تقييدها للخيارات الاستراتيجية المتاحة أمام المجموعات السنّية في اليمن وأماكن أخرى في المنطقة. يكمن جزء من المشكلة في تقويم السعودية للأمور فلا توجد لديها رؤية واضحة المعالم لما يهدد الأمن القومي السعودي إن كان الحوثيين أو إيران أو حلفائها الحاليين في حزب التجمع اليمني للإصلاح (إخوان اليمن) الذي يقاتلون معها على الرغم من أنها وضعت “الإخوان المسلمين” في قوائم الإرهاب.

لذلك ليست للمملكة مقاربة استراتيجية في إدارة الأمن القومي، فهي تفضّل التحالفات التكتيكية القصيرة المدى وتكتفي بالافتراضات المرتجلة المألوفة والمبالغ فيها وغير المستندة إلى أبحاث موثوقة حول ما تخطّط له إيران وحلفاؤها – وما يريدونه في نهاية المطاف. تشجّع هذه الدوافع التكتيكية على تبديل التحالفات، ما قد يثير استياء الأصدقاء ويتسبّب بمشكلات أكبر للمملكة في اليمن وأماكن أخرى[14].

  • مسار التحالفات: تفضل السعودية التحالفات التكتيكية قصيرة المدى، وعدم التنويع في تحالفاتها وقد أدى ذلك بطبيعة الحال إلى مشاكل أكبر مرتبطة بالداخل والخارج. فقد أرسل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان (وزير الدفاع) قوات الحرس الوطني للقِتال في الحدود مع اليمن والتوغل في الأراضي اليمنية إلى جانب ألوية عسكرية يمنية وسودانية، من أجل تفكيك القوة الخاصة بالأمير متعب بن عبدالله، (وزير الحرس الوطني السابق) بعد أن عيّن “ابن سلمان” نفسه ولياً للعهد

الأمر ذاته متعلق بالإقليم، ودولة قطر، حيث قررت المملكة والإمارات والبحرين ومصر مقاطعة قطر، وعلى إثر ذلك تم طردها من التحالف العربي، ما جعل التحالف غير متوازن ببقاء الإمارات كقوة واحدة بجانب المملكة تملك مشكلة كبيرة مع اليمنيين نتيجة أهدافها خارج التحالف. وشنت وسائل إعلام سعودية هجوماً على سلطنة عمان التي رفضت المشاركة ضمن التحالف واتهامها بدعم الحوثيين واستخدام أراضيها لتهريب الأسلحة للجماعة. كانت المملكة العربية السعودية قد دعمت جماعة الحوثي المسلحة بين (2013 وحتى يوليو/تموز2014) ضمن محاولة تحقيقها مرتكز “البُعد الديمقراطي” بإنهاء وجود حكومة ودولة ناشئة من انتفاضة اليمنيين في 2011، وكان ذلك في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وتغيّر في عهد الملك سلمان لأن الحوثيين تجاوزوا إسقاط عمران إلى اجتياح صنعاء والسيطرة عليها، لكن يبدو أن الحوثيين تجاوزوا الاتفاق بإسقاط صنعاء وإجراء مناورات على الحدود السعودية

في اليمن يظهر الأمر متعلق بالقبائل اليمنية والأحزاب: فقبل الربيع العربي امتلك حزب الإصلاح علاقة جيدة مع السعودية، لكن عام 2014، أعلن الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز أن الإخوان المسلمين هم العدو الأول للسعودية، أينما وُجِدوا، فبدا وكأنه يصوّرهم بأنهم يشكّلون تهديداً أكبر من إيران. وقد ساهم ذلك في تعزيز العلاقات السعودية مع الجيش المصري الذي كان قد انتزع مقاليد السلطة بالقوة من جماعة الإخوان المسلمين وأول رئيس مصري منتخب. بيّد أن تطبيق سياسة موحّدة في مواجهة الإخوان تسبّب بإضعاف الثقل السعودي في اليمن. وبعدما كانت أسرة الأحمر، التي كانت تتولى مناصب قيادية مهمة في حزب الإصلاح وقبيلة حاشد، تحصل على رعاية سخيّة من الرياض، لم تعد تتمتع بالحظوة لدى السعودية. بعد تسلّم الملك سلمان العرش، اتّبع نهجاً براغماتياً تجاه الإخوان في اليمن حيث يظهر حزب الإصلاح كقوة مسلّحة وسياسية نافذة، إضافة إلى كوّن الحزب النقيض الفكري الكبير والقوي للحوثيين والأكثر حضوراً في معظم مناطق البلاد، بعكس تيارات وفصائل أخرى تدعمها المملكة منذ عقود ذات نفوذ محدود وفي نطاق محدد

وهكذا مع بدء الحملة العسكرية في اليمن بقيادة السعودية، استأنفت هذه الأخيرة دعمها لحزب الإصلاح وقيادة قبيلة حاشد لكن مع كثير مع المحاذير والتخوفات من الطرفين. حيث يعتقد السعوديون أن الإصلاح وقبيلة حاشد ستسيطر على الدولة وتبنيّ دولة إخوانية وهي مخاوف إماراتية في الأساس. ويعتقد حزب الإصلاح أن السعودية ستبطش به وأعضائه بعد انتهاء حربهم مع الحوثيين. لذلك فإن هذه التحالفات مصيرها الفشل

وبعكس إيران التي تستمر في دعم الحلفاء تظهر السعودية عاجزة للغاية عن الاستمرار في دعم حلفائها نتيجة غياب الرؤية الواضحة لما هو خطر على الأمن القومي وهو ما يجعل من السياسة الخارجية اجتهاداً خارج الأطر الواضحة.

الخاتمة

لا يوجد منهجية ثابتة للسياسة الخارجية السعودية، لاعتمادها سياسة ارتجالية لا تقوم على “البحث العلمي” ومراكز الأبحاث والدراسات. تأتي معظم هذه السياسة الارتجالية من انعكاس مخاوف السياسة الداخلية وحجم تقدير موقف صانع القرار السعودي ودرجة تقاربه من الحلفاء بالمنطقة ورضى الحليف الأمريكي، وهو ما يرتبط بالسياسات اقتصادية وشراء أسلحة بشكل كبير في محاولة لإرضائه

إن زيادة حجم التكتيكات وانعدام وجود الاستراتيجية التي تُحرك دافعية السياسة الخارجية السعودية، يجعل من “فشل” السياسة الخارجية للمملكة أمرٌ حتمي، ويجرّد أدواتها المستخدمة لإنفاذ المرتكزات من تحقيق أيّ نتائج وعلى العكس من ذلك يزيد سخط المجتمعات المسلمة. أما استخدام المملكة ل”مكة والمدينة” كجزء من حملتها من أجل النفوذ في العالم الإسلامي، فإنه انتهاك لحقوق المسلمين ويجعل من مطالب “تدويل” إدارة الحرمين مطلباً واسعاً تنادي به دول ومنظمات وعلماء مسلمين

يرتبط تصحيح مسار السياسة الخارجية للدول ودرجة تأثيرها، بحق مواطني الدول بالتعبير وتقديم الآراء والتمثيل في البرلمان ودرجة دستورية وجود السلطة وارتباطها بالشعب، وبدون وجود هذا التمثيل. وحالة العداء الدائم للديمقراطية في المنطقة لا يعني أن السعودية بإمكانها السيطرة على تطلعات شعبها على العكس من ذلك يجعل من الحراك المجتمعي الداعي للديمقراطية أكثر نضجاً وفِهماً عن الأسباب التي تدفع المملكة لهذا الاحتشاد ضد حريات الشعوب.

في الأخير، تحتاج المملكة إلى مراجعة كاملة لسياستها الداخلية والخارجية، وتحالفاتها، فالمضي قُدماً دون استراتيجية تكون تطلعات السعوديين في المقدمة يجرها نحو مجهول سيء. يُثير الخلافات ويزيد من صناعة الخصوم والعِداء.

 ـــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع

[1]الثابت والمتغير في السياسة الخارجية السعودية،  د. أحمد الأزدي، مركز الجزيرة للدراسات فبراير2015 تاريخ الاطلاع

27 اغسطس2019 http://studies.aljazeera.net/ar/reports/2015/02/2015241112496202.html

[2]كتاب السياسة الخارجية السعودية في مائة عام وزارة الخارجية ومعهد الدراسات الدبلوماسية 1999، الرياض، ص274

[3]يمكن زيارة موقع الهيئة الدولة لمراقبة إدارة السعودية للحرمين الشريفيين https://www.alharamainwatch.com/لمعرفة جملة من الانتهاكات التي توضح استخدام الحرمين الشريفيين كقوة ناعمة.
يمكن الاطلاع على نموذج لذلك من تقرير: مرصد مكة والمدينة https://arabi21.com/story/1115241

[4]تستخدم السعودية “الحرمين الشريفين” ضمن أدواتها الناعمة مع توّق ملايين المسلمين لأداء الفريضة فتمنح بعض الدول حصص زيادة عن المخصص المسموح واحد لكل ألف مسلم، وتمنع دول أخرى تماماً من الحج.

[5]يظهر ذلك واضحاً في مراسلات نشرها موقع ويكليكس عن استخدام شيوخ من السلفية للتأثير على صنع القرار في دولهم.

[6]رسالة ماجستير: تأثير البعد الإسلامي في السياسة الخارجية للسعودية ( القضية الفلسطينية أنموذجاً)مشعل بن فضي فايز الشمري، جامعة نايفالعربية للعلوم الأمنية،2015م.

[7]UAE and Saudi Arabia back Trump’s ‘deal of the century’ economic conference
https://www.middleeasteye.net/news/uae-backs-trump-administrations-deal-century-economic-conference
Palestinians say U.S. ‘deal of the century’ will finish off their state
https://www.reuters.com/article/us-usa-mideast-plan/palestinians-say-u-s-deal-of-the-century-will-finish-off-their-state-idUSKCN1T307H

[8]كتاب: الاتجاهات النظرية في تحليل العلاقات الدولية، مصباح عامر، الجزائر:ديوان المطبوعات الجامعية،2006 ص22

[9]Doing Business in Saudi Arabia, International Market Advisor
http://www.saudiarabia.doingbusinessguide.co.uk/media/1463381/doing_business_in_saudi_arabia_guide.pdf

[10]investment in saudi arabia
https://sagia.gov.sa/media/1059/sagia-business-establishment-brochure-en-02.pdf

[11]Sociopoliticalيشير هذا المصطلح إلى النظام الاجتماعي – السياسي إلى الأنظمة المؤلفة من عناصر اجتماعية وعناصر سياسية والتفاعل بينهما، ويحضر هذا المصطلح عندما نطرح سؤال على ماذا نعتمد للوصول إلى الحكم؟!

للإطلاع https://systemsinnovation.io/sociopolitical-systems-articles/

[12]How Cheap Oil is Changing the Gulfhttps://nationalinterest.org/feature/how-cheap-oil-changing-the-gulf-15842

[13]Drury, Copper. A., ECONOMIC SANCTIONS AND PRESIDENTIAL DECISIONS, PALGRAVE MACMILLAN, 2008, p8

أدوات السياسة الخارجية: التفاعلات والتداخلات، جريدة اللواء الدولية، عامر عيد30Ma

2019http://alewaanewspaper.com/%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d8%b3%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d8%a7%d8%b1%d8%ac%d9%8a%d8%a9-%d8%af%d8%b1%d8%a7%d8%b3%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%81%d8%a7%d9%87%d9%8a%d9%85-%d8%8c/

[14]Saudi Arabia’s lack of clear goals in Yemen is worsening the security vacuum and potentially undermining the kingdom’s national security.https://carnegieendowment.org/sada/61475

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق