تقارير

التبرؤ من أبنائهم.. آل سعود يبدعون في التنكيل بأهالي المعارضين

الكاتب: شدوى الصلاح

مطالبة أهالي بعض السعوديين إعلان البراءة من أبنائهم المعارضين في الخارج محاولة ‏ابتزاز مراهقة من سلطات المملكة لتكميم الأفواه وسلب الحقوق، تأتي في سياق وسائل الانتقام التي تنتهجها السلطات في عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده محمد بن سلمان تجاه كل من ينتقد ملكهم أو يعارض سياستهم.

لم تكتف السلطات السعودية في الانتقام من المعارضين بالاعتقال التعسفي، وتلفيق الاتهامات المعلبة، والتعذيب الجسدي ‏والنفسي للمعتقلين، وانتزاع اعترافات بجرائم غير حقيقية، وابتزاز الناشطين بالخارج باعتقال ‏أقاربهم ومنعهم من السفر واقتحام بيوتهم واعتقال أصدقائهم وغيرها من شتى أنواع الانتهاكات.‏

القائمون على حساب “معتقلي الرأي” بتويتر المعني بالتعريف بمعتقلي الرأي السعوديين، نشروا تغريدة قالوا فيها: “تأكد لنا أن السلطات السعودية قامت بممارسة أساليب ابتزاز وضغط شديد على عائلات عدة ‏شخصيات من رموز المعارضة في الخارج وهددتهم بتصعيد ذلك إن لم يقوموا بإعلان البراءة ‏علناً من أبنائهم”.

#حمزة_الكناني

أكد القائمون على الحساب الذي يتابعه قرابة الـ238 ألف متابع، أن السلطات ‏السعودية أقدمت على تهديد أفراد عائلة الناشط #حمزة_الكناني، لكي يخرجوا علناً ويعلنوا ‏البراءة منه ومن نشاطه، وذلك بعد أن تم التحقيق معهم عدة مرات، وبعد عدة محاولات ضغط ‏فاشلة حاولوا فيها إرغام العائلة على إقناع حمزة بإغلاق حسابه والعودة وتسليم نفسه.‏

وأفاد الحساب بأن جميع أفراد عائلة الناشط #حمزة_الكناني تم إخضاعهم للمنع التعسفي من ‏السفر، وذلك في إطار تصعيد الضغط عليهم وعلى حمزة لإرغامه على التنازل عن مواقفه ‏والعودة وتسليم نفسه.‏

وتابع الحساب الكشف عن أن السلطات تمارس ضغوطاً قاسية على عائلة الناشط عبدالله الوايلي ‏لإقناعه بالعودة وتسليم نفسه أو أن يعلنوا البراءة منه وذلك بسبب نصرته لمعتقلي الرأي.‏

وأضاف: “تأكد لنا أن السلطات تفرض نظام رقابة على وسائل اتصالات جميع أفراد عائلته منذ ‏نحو 6 أشهر لهذا الغرض”.‏

“الكناني” ناشط سعودي وطالب دكتوراه في القانون الدستوري، معارض لنظام آل سعود ومتضامن مع معتقلي الرأي داخل المملكة، بدأ في 2 مايو/آيار 2019 انتقاد انتهاكات الحكومة السعودية بشكل علني، وذلك أثناء مشاركته، كجزء من دراسته العليا، في دورة بالأمم المتحدة تتعلق بحقوق الإنسان.

أعلن الكناني مناصرته لضحايا القمع، مطالباً بإطلاق سراح المعتقلين، وبدء النشاط في حملات مناصرة لهم عبر مواقع التواصل الإجتماعي، وبناء عليه طاله تصعيد السلطات، كما طال ذويه، وتعرض لانتهاكات متعددة طالت عائلته ومعارفه في الداخل.

في 5 مايو/أيار 2019، وبعد 3 أيام على إعلانه مناصرة ضحايا القمع في البلاد، داهم أفراد من المباحث السعودية منزل أسرته بمحافظة مكة المكرمة، واستولت على أغراضه الشخصية، وذلك بحسب ما صرح للمنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان.

وأوضح “الكناني” أن إخوانه وأبناء عمومته استدعوا للتحقيق عدة مرات، وتم منع عدد من أفراد أسرته من السفر، ولم يتمكن من التواصل مع أفراد عائلته بعد ذلك بفترة، إلا أنه تلقى خبرا من مقربين أن اللجنة التأديبية العسكرية التابعة لوزارة الداخلية أوقفت شقيقه في 6 يونيو/حزيران 2019، وحققت معه، وعوقب بنقله إلى درجة أقل في العمل.

وأكد أن الانتهاكات لم تنحصر في عائلته، مشيرا إلى أن أحد أصدقائه السابقين الذي كان يعيش في الولايات المتحدة، أوقف في مطار جدة في يونيو/حزيران 2019، وتم التحقيق معه.

كذلك أقدمت السعودية على منع تعسفي من السفر، طال أطفاله وإخوته وأخواته. كما أُوقفت خدماته الحكومية، وأوقفت بطاقته البنكية التابعة لأحد البنوك السعودية. فيما كشفت صفحة “معتقلي الرأي” أن السلطات السعودية زعمت أنها ستعفو عن “الكناني” إن عاد واعتذر.

إنسان فاشل

الناشط المعارض عبدالله الوايلي، أحد المشار إلى تعرض ذويه لابتزاز لإعلان البراءة منه، قال على تويتر: “أُفضِّل الحرية مع الخطر على السلم مع العبودية”، معلنا مطالبته بالحرية لمعتقلي الرأي.

وبث “الوايلي” مقطع فيديو يتحدث فيه عن إنجازات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، مشيرا خلاله إلى أن الأمير السعودي خاض حربا يمنية فاشلة بكل ما تعنيه الكلمة، وحاول أن يحاصر قطر لكنه فشل أيضا، ويحاول في الوقت الراهن أن يبيع القضية الفلسطينية تحت مسمى “صفقة القرن”، مؤكدا أن هذا لن يحدث مهما أرسل من تطبيعيين وأرسل من رسائل أو تقرب من الكيان الصهيوني.

وأضاف أن “بن سلمان” قام باعتقال النساء في السعودية في كارثة في تاريخ الدولة السعودية لم تحدث من قبل، قائلاً: “محمد بن سلمان شخص فاشل بكل ما تعنيه الكلمة، لا أدري لماذا تطبلون له وما هي إنجازات محمد بن سلمان؟”.

“الوايلي” خصص تغريدات في حسابه للتضامن مع المعارضين السعوديين الذي حاولوا الخروج من المملكة، سواء تمكنوا من إتمام خروجهم بسلام واستقروا في بلدان أخرى، أو علقوا ولم يتمكنوا من الاستقرار، ومنهم الناشط السعودي علي هاشم الذي ناشد المنظمات الحقوقية بالضغط على النظام السعودي ومطالبته برفع حظر السفر والإقامة الجبرية عن أطفاله في السعودية.

كما تضامن “الوايلي” مع الناشط علي السليماني القحطاني العالق في تركيا، والذي أعلن تنازله عن الجنسية السعودية، داعيا العائلة الحاكمة في المملكة إلى سرعة تغيير بن سلمان.

“الوايلي” خصص حسابه أيضا لإعادة نشر مقاطع الفيديو التي يعلن فيها سعوديون بالخارج معارضتهم للنظام، ومنهم عبدالله بن مدين الغامدي الذي يعرف نفسه بأنه معارض لنظام آل سعود، والذي خرج في مقطع فيديو مشهراً بطاقته الشخصية معلنا ذلك.

وأوضح أنه يعارض نظام الحكم في السعودية لما قاموا به من اعتداء على الحريات وسجن العلماء والمشايخ والمفكرين واعتقال النساء، معلنا تضامنه معهم وانضمامه إلى المعارضين بالخارج.

كما نشر أيضا مقطع فيديو بثه المبتعث السعودي أحمد عبدالله الحربي، معلنا فيه مناصرته لمعتقلي الرأي بالمملكة، مشيرا إلى ما يواجهونه من ظلم وقمع.

واعترض عبر المقطع على ما تقوم به الحكومة السعودية من مطاردة للمعارضة بالخارج لجلبهم للسعودية أو قتلهم في الخارج كما حصل مع الكاتب الصحفي جمال خاشقجي الذي تم اغتياله داخل قنصلية بلاده في أكتوبر/تشرين أول الماضي.

إسقاط الملكية

لم يكن “الكناني والوايلي”، فقط هما من تعرض ذويهم لمحاولة ابتزاز وضغط لإعلان براءتهم من أبنائهم، فسبق أن أعلن عبدالعزيز الحضيف أحد أفراد عائلة الكاتب السعودي الدكتور محمد الحضيف، عقب تمكنه من الخروج من المملكة، في 16 مايو/آيار 2019، تعرض عائلته الصغيرة والكبيرة لضغوط لتتبرأ منه، مطالبهم بتنفيذ ذلك خوفًا عليهم من التهديدات وأنهم في حكم المكرهين.

الحضيف المحكوم عليه بالسجن 5 سنوات بتهمة “التعدي على دول صديقة (الإمارات)” قال عبر تويتر: “الحمد لله في يوم الخميس 16 مايو/آيار 2019 تم الهروب من مهلكة (مملكة) الدب الداشر (محمد بن سلمان) والحمد لله على الحرية.. ويارب الحرية لجميع المعتقلين والمعتقلات وأي شخص عايش بالمهلكة (المملكة)”.

وتمكن عقب خروجه ولجوئه إلى كندا من الحديث عن الدكتور محمد الحضيف، مقدما سلسلة تغريدات عنه تعريفا بنضاله وتذكيرا بتضحيته وصبره على الأذى الذي لاحقه 30 عاما من قبل الظالمین، وإصراره على البوح بكلمة الحق وتحمل البلاء من أجلها.

سياسة ابتزاز السلطات السعودية لذوي المعارضين، ليست نهجا جديدا، وإنما سبق أن استخدمته السلطة السعودية عام 2011 على المعارضين بالداخل، حيث خرجت قبيلة الوداعين معلنة تبرئتها من المعارض السعودي محمد الودعاني الذي طالب في أعقاب ثورات الربيع العربي، بإسقاط الملكية.

ودعا “الودعاني” في مقطع فيديو نشره أواخر فبراير/شباط 2011 على يوتيوب، إلى “المجاهرة بالرغبة في إسقاط الحكم الملكي، ورفض سياسية التوريث، والإفراج عن السجناء السياسيين”.

وتبع ذلك بنشر مقاطع أخرى تدعو لثلاث مظاهرات: الأولى بعد صلاة جمعة 4 مارس/آذار 2011 أمام مسجد الراجحي في مدينة الرياض، والثانية في 7 مارس/آذار فيما سُمّي “اثنين الوفاء للمعتقلين”، والمظاهرتان هدفهما الحشد للمظاهرة الثالثة التي سُمّيت “يوم الغضب” و”ثورة حنين” في 11 مارس/ آذار.

وقبل يوم واحد من موعد المظاهرة نشر الودعاني مقطعا أكد فيه التزامه بالدعوة للتظاهر وقال فيه: “لأننا نرفع شعار إسقاط الملكية ولخوف الكثيرين من تأييد هذا الشعار فلا بأس أن أقف وحيدا”.

وتم اعتقال “الودعاني” عندما خرج في يوم المظاهرة الأول 4 مارس/آذار 2011 حاملاً لافتة ويعتقد أنه محتجز في سجن الحائر في الرياض ولاحظ بعض أقاربه آثار تعذيب على جسده عندما سمح لهم بزيارته.

وفي سبتمبر/أيلول 2013 أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة في الرياض حكماً بالسجن والمنع من السفر 15 عاماً، لإدانته بالخروج على ولي الأمر والدعوة إلى إسقاط نظام الحكم في البلاد، والدعوة إلى الاعتصامات، فيما قال المتهم: “أنا أرفض هذه المحكمة”.

ضغط وإكراه

وزاد استخدام السلطات السعودية لأسلوب الابتزاز على عوائل المعارضين في الخارج، في عهد بن سلمان، حيث عمدت إلى إجبار عائلة غانم الدوسري المعارض السعودي المقيم في بريطانيا، على التبرؤ منه، بحسب ما أوضحه في سبتمبر/أيلول 2017.

وأضاف في تغريدة له على تويتر: “بلغني الآن أن مندوبين من الديوان الملكي ذهبوا إلى منزل والدي في الخرج، وطلبوا من عائلتي إعلان البراءة مني”، مستطرداً: “أجبروهم على قول ذلك أمام الكاميرات”.

ووجه “الدوسري” رسالة إلى “بن سلمان” قائلا: “أنا اللي (الذي) أحاربكم وأواجهكم.. اتركوا العوائل والشيبان في حالهم.. هذا إذا عندكم شرف وغيرة وأخلاق”.

وتابع: “إجبارك شيوخ القبائل وعوائل المعارضين أن يتبرؤوا من عيالهم تحت الضغط والإكراه ونشره في التليفزيون ما له قيمة ويرتد عليكم”.

وأشار “الدوسري” إلى أنه “مستحيل أحد بيصدق أن أب يتبرأ من ولده ومستحيل أحد يصدق أن شيخ القبيلة يتبرأ من اللي رفع رأسهم”، مضيفا: “أعط الشعب حقوقه.. وصلح سياساتك.. وأوقف نهب.. وأطلق سراح المعتقلين.. هذا هو طريق الصواب وإلا الطوفان قادم”.

” الدوسري” هو ناشط سعودي في مجال حقوق الإنسان، وممثل ومعلّق ساخر سياسي اشتهر ببرنامجه الحواري عبر الإنترنت الذي يدعى “غانم شو”، حيث ينتقد الأسرة المالكة السعودية، وخاصة الملك سلمان وولي عهده من خلال استخدام الكوميديا السوداء ويقيم الدوسري في لندن منذ عام 2003.

وفي أبريل/نيسان 2018، خرج سلطان الغامدي شقيق المعارض السعودي المقيم في لندن عبدالله الغامدي، معلناً تبرؤه من أخيه.

ووفقا للمقطع المتداول، فقد ظهر “سلطان الغامدي”، قائلا: “أنا أبرأ إلى الله عز وجل من أخويا عبدالله الغامدي، من ورطنا وورط إخوتي وأمي حسبي الله ونعم الوكيل”.

وتابع: “ورط أخويا عامر وأشرف وراحوا له (ذهبوا إليه) لسوريا، والآن ورط أمي وأخويا عادل وخلاهم (جعهلم) يأخذون فلوس لا ندري من وين جت ومن ومن فين وصلت”، مضيفا “يا أخي شتتنا وفرقتنا حسبي الله ونعم الوكيل فيك”.

هشاشة السلطة

تشهد السعودية ارتفاعا كبيرا في أعداد المعارضين، وطالبي اللجوء، حيث أظهرت آخر الأرقام الرسمية لمفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة (UNHCR)، ارتفاعًا كبيرًا في أعداد اللاجئين السعوديين خلال الأعوام الماضية إلا أن أعلاها بدأ بعد العام 2015.

وأرجعت مقالة نشرتها شبكة “سي إن إن” الأمريكية، في فبراير/شباط الماضي، ظاهرة تزايد أعداد اللاجئين السعوديين إلى سياسات ولي العهد محمد بن سلمان في البلاد.

وأشارت المفوضية إلى أن غالبية طلبات اللجوء تتركز في دول الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأستراليا وبريطانيا وألمانيا.

ومنذ وصول بن سلمان إلى منصب ولي العهد في 21 يونيو/حزيران 2017، شنت السلطات السعودية حملة اعتقالات طالت آلاف الشخصيات البارزة والدعاة والنشطاء والمثقفين بذرائع منها تعبيرهم عن رأيهم ومطالبتهم بإصلاحات في النظام، وإعطاء المرأة حقوقها، وألقتهم في السجون بتهم سياسية أيضا، منها ما هو متعلق بالإرهاب، وهو ما شكَّل إدانات دولية واسعة للمملكة.

الناشطة الحقوقية السعودية الدكتورة حصة الماضي، أكدت إن ضغط النظام السعودي على عوائل المعارضين في الخارج لإعلان البراءة منهم ليس بجديد عليه، مؤكدة أن السلطة السعودية تخاف من الانتقاد لسياستها الرعناء.

وأوضحت لـ “الاستقلال” أن السلطة تهدف ذلك الأسلوب أن يظهر أمام الشعب أن المعارضين على خطأ وأن على باقي الشعب السعودي ألا يحذوا حذوهم.

وأضافت “حصة” أن هذا يدل على هشاشة السلطة ورعبها من ازدياد أعداد المعارضة وخروجهم خارج الوطن وتصبح عاجزة عن ملاحقتهم، لذا تلجأ لعوائلهم لأنهم تحت سيطرتها.

ولفتت إلى أن السلطة السعودية تتبع نفس الأسلوب مع بعض الناشطين المعتقلين كالناشط محمد الودعاني الذي طالب فقط بملكية دستورية واعتقل وحكم عليه بـ 15 سنة وطلب من عائلته إعلان البراءة منه في 2011.

وأكدت “حصة” أن السبب في تزايد أعداد المعارضين السعوديين يرجع إلى النظام القمعي الذي إزداد بقمعه واستبداده عن العهود السابقة وتردي أوضاع الشعب من الناحية الاقتصادية وانتشار البطالة والجريمة والمخدرات.

وأشارت إلى أن السلطة اعتقلت أيضا بعض عوائل المعارضين السعوديين كوسيلة ضغط عليهم للتوقف والعودة للبلاد، جازمة بأن استخدام الضغط على المعارضين لا يجدي نفعاً بل يدفع بالمزيد لإعلان المعارضة واللجوء إلى الخارج ليحميهم.

وقالت الناشطة الحقوقية: “لا يستغرب من السلطة السعودية أن تستحدث طرقا جديدة للضغط على عوائل المعارضين بهدف إسكاتهم حتى لا يظهر للمجتمع الدولي حجم القمع والاستبداد الذي تمارسه على الشعب”.

المصدر الرئيس: صحيفة الاستقلال

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق